لو تعرفون الحبُّ السرمديّ ليافا!
محمود عماد
ناشط فلسطينيكلّ شيءٍ كان ساكنًا حين كنتُ أتأمل في صور يافا، كانت أزقتها جذابة، ومآذنها شامخة كجبلٍ أبيّ، وطرقاتها مريحة كفراشٍ من حرير، كانت سماؤها صافية كماء النهر، وشمسها ساطعة مشرقة تسلّل دفئها لقلبي من الصورة..
كنتُ أدقّق في كل زقاقٍ في الصورة في كل حجر في كلّ التواء وفي كلّ منخفضٍ ومرتفع، لم أدرِ ما جرى لي وأنا أنظر، ففجأة وعلى حين غفلة سقطت مني دمعة ثم أخرى ثم غرقت وأغرقت نفسي بدموعٍ لا تتوقف..
إنها يافا.. عروس فلسطين.. أزهى المدن وأجملها، مدينة الحب، مدينة السلام، مدينة الرقيّ والحضارة، مدينةٌ لا ينصفها كل الكلام.
يافا.. تلك المعشوقة، شغف الأحلام، الأمل القادم من خلف البحر. إنها يافا، الأسطورة، أشتمّ رائحة برتقالها من هنا، أشتمّ زيتونها وعنبها وتينها وبحرها، أتخيّلها في كل لحظةٍ وفي كل آن ..
ما ذنبي لكي أعيش قسرًا بعيدًا عنها !ما ذنبي لكي أموت ألف مرة مع كل نشيدٍ للبلاد، ومع كل سلام.. ما ذنبي لأن أدندن بهلوسة في كل صباحٍ ومساء باسم يافا ولا أراها!
لا.. لا تقولوا كبُر الفتى، إنّه أبدًا ما كبر، لا زال طفلًا يحبو ما بين الصور، يشتاق لحضن أمّه الحنون، يشتاق لأن يصرخ فتأخذه مسرعةً لصدرها فيغفى وينام..
لا.. لا تقولوا اشتدّ عود الفتى وأصبح قويًا، لا زلتُ هزيلًا ضعيفًا إن تعلق الأمر بحروف اسم يافا! لا تقتلوا طفلي، أعيدوني لوطني، أعيدوني ليافا، فوالله إنّي أنتحب بعيدًا عنها، والله إني اشتاق كشوق العصافير لأعشاشها، كشوق الحوريات لشهداء الجنة..
لا تحرموني أحلامي، يكفي بعدًا ودمار، يكفي ذلًا وعار، سأقاتل، سأناضل، لن أترك السلاح، لن أتنازل، لن ألين، لن أركع..
سأعود ليافا شئتم أم أبيتم ، فلا حياةَ تحلو بعيدًا عن الوطن، ولا قلب يفرح، ولا شفاه تبتسم ومدينتي مأسورة..
إنه العهد يا يافا، عهد الأجداد والآباء، وها نحن الأحفاد سنوفيه لكِ، ستعودين يا حبيبتي مشرقة كسابق عهدك، ستعود الفرحة لشوارعك، وستعود البهجة تغمر كل زقاقٍ فيكِ..
لا تسألوني لمَ تفعل ذلك ، ولكن إن أردتم الإجابة، فإنه الحب، الحب السرمدي ليافا!
أضف تعليق
قواعد المشاركة