رغم بشاعة وحجم جريمة الاغتيال التي استهدفت العنصر في حركة فتح وليد ياسين ورغم دماء الجرحى المدنيين التي سالت في حي الرأس الأحمر، استطاع مخيم عين الحلوة بوعي ابنائه وعائلات القتيل والجرحى وقواه الفلسطينية وفي مقدمها حركة فتح ان يتجاوز حتى الآن - قطوع هذه الجريمة، فحافظ المخيم على هدوئه مشوبا بحالة من الحذر والترقب، بينما طرحت هذه الجريمة من جديد العديد من التساؤلات حول توقيتها واستهدافاتها، كونها تعيد الوضع في المخيم الى مسلسل اغتيالات اعتقد ابناؤه انه انتهى، في الوقت الذي كانوا ينتظرون تفعيل القوة الأمنية المشتركة واطلاق يدها اكثر في ملاحقة مرتكبي الجرائم والذين ما يكاد المخيم يتنفس امنا واستقرارا حتى يطلوا بجريمة جديدة محاولين اعادة عقارب ساعة الأمن فيه الى الوراء فجاءت هذه الجريمة الجديدة لتضع القوة الامنية ومعها المخيم كله من جديد امام مجهول امني ينتظره فيما لو لم يتم وضع حد لهذه الجرائم..
لطالما وصف مخيم عين الحلوة في فترات سابقة بأنه صندوق بريد أمني تتقاطع فيه وعبره الرسائل الأمنية في غير اتجاه داخلي أو خارجي، وهو وان نجح ولو جزئيا في التخفف من هذه الصبغة التي لازمته طيلة عقدين من الزمن، الا ان هذا لا يعني انه تخلص منها نهائيا، وبالتالي فان جريمة اغتيال ياسين بحسب اوساط فلسطينية، قد تكون تحمل في طياتها رسائل في اكثر من اتجاه، فهي قد تكون رسالة الى فتح باعتبار ان المغدور ينتمي اليها، او قد تكون موجهة الى القوى الفلسطينية مجتمعة بأن هناك من لا يريد لهذا المخيم الاستقرار، وبطبيعة الحال قد تكون رسالة الى القوة الامنية بانك وان «انتشرت في المخيم ولاحقت مفتعلي الاشكالات الصغيرة وتجار ومتعاطي المخدرات لن تستطيعي منع عملية اغتيال بهذا الحجم». وقد يذهب البعض في الاستنتاج الى ابعد من ذلك بربط ما جرى في عين الحلوة بالجبهات المتنقلة من الشمال الى البقاع الى الجنوب لتحويل الأنظار بواحدة عن الأخرى.
لكن، مهما يكن من كل ذلك، فان ثمة اسئلة صعبة تواجه كافة الأفرقاء في عين الحلوة بعد اغتيال ياسين وهي: ماذا بعد هذه الجريمة وكيف يمكن مواجهة احتمالات عودة هذا المسلسل الدموي ليستنزف امن المخيم وامان اهله وحياة وارواح ابنائه. واي دور سيكون للقوة الأمنية الفلسطينية المشتركة في انهاء هذا النزف الأمني، وهل تفاجئ هذه القوة ابناء المخيم والرأي العام بانجاز امني قريب على هذا الصعيد، ام ان الأمور ستعود لتدور مجددا في دائرة المراوحة واجترار الاستنكارات والاجراءات الروتينية التي لا تطعم امناً؟..
وقائع ومعطيات
كيف وقعت جريمة الاغتيال وما هي المعطيات المتوافرة لدى اللجنة الأمنية الفلسطينية التي تتولى التحقيق فيها؟
مصادر فلسطينية مواكبة للتحقيقات الجارية كشفت لـ»المستقبل» عن خيوط توصل اليها المحققون في الجريمة قادتهم الى الاشتباه بعدد من الأشخاص استنادا الى معطيات تجمعت لديهم من خلال: الصور التي التقطتها كاميرات المراقبة المثبتة في محل ياسين وعلى مدخله وفي محيطه وحتى الشارع الممتد الى مدخل حي الصفصاف المقابل.. وكذلك من خلال افادات بعض الشهود الذين كانوا متواجدين على مقربة من المكان وشاهدوا المنفذين وخط سيرهم لدى خروجهم من احد الأزقة القريبة وعودتهم اليه بعد تنفيذ الجريمة..
وبحسب هذه المصادر فان اسماء المشتبه بهم معروفة بقربها من بعض المجموعات المسلحة الموجودة في بعض احياء المخيم والتي سارعت الى رفع الغطاء عن اي شخص يثبت تورطه في هذه الجريمة.
واضافت هذه المصادر ان عدد المسلحين الذين نفذوا الجريمة اثنان، كانا يرتديان قناعين يغطيان الرأس بالكامل، وان احدهما تقدم الى العنصر في فتح وليد احمد ياسين (41 سنة) في محله المخصص لبيع الطيور واطلق عليه النار من سلاح حربي، فيما اطلق الآخر النار عن بعد ومن سلاح مماثل على الباقين الذين كانوا متواجدين في المكان، ما ادى الى مقتل ياسين على الفور واصابة كل من حسن محمد راضي ابو داود الشهير بلقب «ضباية « (18 سنة) وحالته خطرة جدا، محمد يوسف اليوسف (32 سنة) سهير سعيد سلامة (43 سنة) ومحمد موسى حليحل (18 سنة).
وبحسب المصادر نفسها فان التحقيقات التي تشارك فيها القوى الاسلامية وتحديدا عصبة الأنصار والحركة الاسلامية المجاهدة اللتين تبديان تعاونا كاملا والى اقصى حد، لن تعلن نتائجها بشكل كامل قبل استكمال عملية فحص كافة كاميرات المراقبة وحتى تلك التابعة لعصبة الأنصار والمثبتة في بعض الأزقة المؤدية الى مكان الجريمة. وانه اذا تم اثبات تورط اي من الأسماء المشتبه بها فانها ستعلن للملأ لتوضع جميع القوى الفلسطينية امام مسؤولياتها برفع الغطاء عمن يثبت اشتراكه بالجريمة لأي جهة انتمى ومطالبة هذه الجهة بتسليمه او اطلاق يد القوة الأمنية المشتركة لملاحقته.
حركة على ايقاع الحذر والترقب
كيف بدا الوضع في مخيم عين الحلوة غداة اغتيال ياسين، وما هي حالة الجرحى؟..
منذ الصباح بدت الحركة في شوارع واحياء المخيم متأثرة سلباً بما جرى ليل الأربعاء.. في حي الرأس الأحمر حيث وقعت الجريمة لا تزالآاثار الدماء والرصاص تتقاسم ارجاء المكان امام محل ياسين وعلى الجدران المحيطة ببابه المقفل.. اقفال تام للمحال التجارية في الحي المذكور،.. اما في باقي احياء المخيم فإقفال جزئي تحسبا، وحركة خجولة في الشوارع والأسواق، وحركة طلاب اعادتهم مدارس الأونروا صباحا الى منازلهم تخوفا من تداعيات امنية لما جرى..
في منزل عائلة ياسين، اجواء الحداد والحزن تخيم على المكان والعائلة تتحضر لتشييع ابنها والذي تم ارجاؤه الى الغد (الجمعة) لحين وصول شقيق وليد من الخارج.. لا يوحي كلام شقيقه الآخر «هايل» بأن العائلة بوارد ان تقوم باي ردة فعل على ما جرى، فالجميع هنا ينتظر ما ستؤول اليه التحقيقات وعندها يكون « لكل حادث حديث « بحسب احد الأقارب.
حركة فتح وقيادة الأمن الوطني عقدت اجتماعات متلاحقة لها مع مختلف القوى الفلسطينية الوطنية والاسلامية المنضوية في اطار لجنة المتابعة الفلسطينية واللجنة الأمنية الفلسطينية العليا منذ ليل الأربعاء وحتى بعد ظهر الخميس لمتابعة الموقف في ضوء جريمة الاغتيال وتكثيف التحقيقات لكشف مرتكبيها.
شبايطة
وقال امين سر حركة فتح في منطقة صيدا العميد ماهر شبايطة ان»الجريمة يقف وراءها اناس مرتبطون بأجندات خارجية لإفتعال مشاكل داخل المخيم بهدف زعزعة امنه واستقراره» وقال: هذه العملية الجبانة قام بها مقنعون استهدفوا مناضلا في حركة فتح وهو يعمل في محله وكانت هناك مجزرة قام بها هؤلاء بقتل المناضل وليد ياسين ومعه عدد من الجرحى وهناك شخص اخر بوضع خطر وهذه الجريمة تستنكرها القوى الوطنية والاسلامية.
واضاف: كل القوى والفصائل في المخيم لم تهدأ طوال الليل وهي على تواصل وعلى اجتماع دائم وسيعقد اجتماع لنعرف ماذا حصل خاصة ان لجنة التحقيق باشرت عملها منذ اللحظة الاولى وهناك اقراص CD لكاميرات مراقبة مثبتة في الشوارع نعمل على التحقق منها وتحليلها لكشف هذه الجريمة ومحاسبة هؤلاء المجرمين الذين يريدون زعزعة امن المخيم. يجب ان نصل الى نتيجة ونعرف من قام بهذه العملية الجبانة التي نعتبر انها تصب في خانة ضرب استقرار المخيم وارهاب اهلنا.
الشايب
وكانت لجنة التحقيق المنبثقة عن القوة الامنية المشتركة انتقلت الى مكان الجريمة بعد دقائق على وقوعها وباشرت عملها وتحقيقاتها تحت اشراف قائد القوة الأمنية العميد خالد الشايب، مستعينة بالصور التي التقطتها كاميرات المراقبة وبإفادات بعض الشهود، فيما نفذ عناصرها انتشارا واسعا وسيرت دوريات لها في شوارع واحياء المخيم.. وقال العميد الشايب: لجنة التحقيق تتابع حيثيات الامور والوضع هادئ والأمن مستتب في المخيم.
الشباب المسلم
وفي خطوة لافتة اصدر تجمع الشباب المسلم في مخيم عين الحلوة - والذي تنضوي تحته معظم المجموعات الاسلامية المسلحة خارج اطار القوى الاسلامية التقليدية - بيانا استنكر فيه «ما وقع ليلاً في الشارع الفوقاني للمخيم من قتل وجرح بطريقة عشوائية اجرامية لا تعرف حرمة لدماء المسلمين ولا تراعي أمنهم وسلامتهم« معتبرا ان «من يقوم بمثل هذه الأفعال هي أياد آثمة مأجورة لا ترحم صغيراً ولا كبيراً ولا تراعي واقعنا الحساس.« وتمنى البيان على اهالي المخيم عدم إعارة آذانهم للإشاعات المغرضة ونشرها وترويجها.
ولاحقا، اصدرت لجنة المتابعة الفلسطينية بيانا ادانت فيه الجريمة النكراء، واضعة اياها في خانة استهداف امن واستقرار المخيم. واهابت اللجنة باهالي المخيم عدم الانجرار الى الفتنة تحت تاثير الاشاعات المغرضة والمشبوهة. واكدت على اهمية الحفاظ على الوحدة الداخلية وثمنت عاليا مواقف آل ياسين واهل الشهيد وليد ياسين وموقف حركة فتح واهالي الجرحى لما اتصفت به مواقفهم من مسؤولية عالية وحرص على المخيم.
وطالبت لجنة المتابعة كافة القوى الفلسطينية تزويد لجنة التحقيق بما لديها من معطيات ومعلومات لإغناء التحقيق والاسراع بالكشف عن الجناة، واتخاذ كل ما يلزم لردعهم.
المصدر: رأفت نعيم - جريدة المستقبل