علاقة اللاجئ الفلسطيني بتراث أجداده، كعلاقة الأم بطفلها، فهي لا يمكن أن تتركه أبدًا مهما حدث، بل تحنّ وتشتاق إليه، وتحرص على منع أذيته، وما أن تراه تضمه بحب، وهكذا حال اللاجئ الفلسطيني ما أن تقع عينه على شيء من رائحة الوطن.

بهذه الكلمات وصف المدير التنفيذي لمؤسسة فلسطين للتراث "جذور" محمد أبو ليلى علاقة اللاجئ الفلسطيني بالتراث، فاللاجئ إذ اقتنى ثوبا مطرزا مثلاً، يحافظ عليه، وقد يخفي دمعته، ويدرك أهمية المحافظة عليه، وعدم التخلي عنه.

كوفية بيضاء وزرقاء

"فلسطين" في ذكرى يوم الأرض حاورت أبو ليلى عن التراث الفلسطيني، والذي ذكر بدوره أهم التراثيات الفلسطينية على سبيل المثال لا الحصر، فمنها: "التراث الشعبي، والأمثال الشعبية، والتطريز، والصناعات، والمأكولات، والفلكلور الفلسطيني، والأزياء الشعبية، والمسرح الفلسطيني"، مشددًا على أن القضية الفلسطينية برمتها هي كالشجرة الثابتة وللشجرة جذور، فجذور هذه القضية هي التراث الفلسطيني.

ولفت إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يحاول ليل نهار سرقة التراث الفلسطيني، محاولةً منه لإقناع العالم بأحقيته بفلسطين، من خلال عرض حرفيات ومقتنيات وتأليف قصص وروايات، والسعي لربط تاريخ وثقافة المهاجرين الأوروبيين بالتاريخ الفلسطيني، إذ يصف الاحتلال هجرة أولئك اليهود بأنها "عودة الشعب الأصلي إلى أرض الميعاد" بعد ألفي سنة تشرد.

ومن الممارسات التي قامت بها "العصابات الاحتلالية" بحق التراث، - كما يقول - الكوفية الفلسطينية المعروفة بألوانها "الأبيض والأسود" قاموا بجعلها باللونين "الأبيض والأزرق"، تيمنًا بعلم (إسرائيل) و"نجمة داود".

عن جذور

وتطرق في حديثه إلى بداية تأسيس مؤسسة فلسطين للتراث – جذور، قائلاً: "في البداية تأسست المؤسسة تحت عنوان "مشغل المرأة الفلسطيني في مخيم نهر البارد" عام 2008، وكان الهدف من تأسيسه إشراك المرأة الفلسطينية بالعمل لوضع بصمة من بصمات العودة إلى فلسطين من خلال إعادة إنتاج أحد أبرز ركائز التراث الفلسطيني وهو التطريز الفلسطيني".

ويوضح أن أداء المشغل تطور وبات يقدم جودة عالية من ثياب مطرزة وتُعرض في معارض محلية وإقليمية ودولية، ولاقت إقبالاً واسعًا على المستوى الفلسطيني والعربي والغربي، منوهًا إلى أن هذا كان دافعًا لتعديل المسمى وإطلاق مؤسسة فلسطين للتراث – جذور، واختيار اسم "جذور" لما للتراث من أهمية على مستوى القضية الفلسطينية.

ويبين أبو ليلى أن من الأهداف التي تسعى المؤسسة لتحقيقها تفاعل الجمهور الفلسطيني والعربي والدولي معها.

ومن المواقف التي حدثت مع أبو ليلى وأراد أن يُشرك القارئ فيها حين شاركت المؤسسة أواخر السنة الماضية في معرض الكتاب الدولي في بيروت، فكان رواد المعرض يقولون هذا المعرض لعرض الكتب وليس للتراث، فكان رده وقتها: التراث بحد ذاته فكر وثقافة، فعندما تقرأ أي كتاب فإنك حتماً ستتأثر أو تفكر أو تحلل أو تكسب ثقافة ما يريده الكاتب، ونحن بعرضنا للتراث الفلسطيني نكون قد عممنا ثقافتنا وحضارتنا على كل من يزور المعرض".

وتابع: "في هذا الإطار يأتي الهدف الأول وهو تعميم التراث الفلسطيني على كافة الشرائح الفلسطينية والعربية والدولية، أما الهدف الثاني، الحفاظ على هذا التراث للأجيال المتعاقبة من اللاجئين الفلسطينيين في العالم، فمعرفتهم بالتراث الفلسطيني يقودهم للتعرف والاطلاع على عظمة التاريخ وروعة الحضارات"، مشيرًا إلى أن المؤسسة تقدم التطريز الفلسطيني بكافة أشكاله وأنواعه، والحرفيات الفلسطينية الخشبية، وبعض التحف التي ترمز إلى فلسطين ومقدساتها.

وينبه أبو ليلى إلى أن الفئة المستهدفة للمؤسسة ثلاث فئات، فهي تخاطب الشعب الفلسطيني اللاجئ بكافة أماكن تواجده، من خلال المشاركة بالفعاليات مثل النكبة ويوم الأرض ويوم الأسير الفلسطيني، ففيها فرصة للتواصل مع جميع الأجيال السابقة واللاحقة، والفئة الثانية الشعب العربي من خلال المشاركة بالمعارض الدولية، وأخيرًا الفئة الثالثة العالم الدولي وظهر تفاعلهم مع القضية بشغف وحب المعرفة.

كيف نحافظ على التراث؟

ولفت أبو ليلى إلى أن للثوب المطرّز يدوياً أيضاً نصيبا من هذه السرقات، إذ يقوم الاحتلال الإسرائيلي بتسويق الثوب في الدول الأوروبية والأمريكية على أنه من التراث "اليهودي" وعمره آلاف السنوات، وكانت زوجة "موشي ديان" وزير جيش الاحتلال سابقًا قد ارتدت ثوبا فلسطينيا في إحدى المناسبات العالمية في ستينيات القرن المنصرم، زاعمة أنه تراث يهودي، حسب قوله.

والأخطر من ذلك كله هو قيام الاحتلال الإسرائيلي بجمع بعض الصناعات الشعبية الفلسطينية ومنها التطريز والفخار الزجاجي والصناعات الخشبية والمعدنية والجلدية، وإعدادها من أجل إصدار كتب عن "الفلكلور الإسرائيلي" وتوزيعها في المدن الأوروبية والأميركية.

وفي السياق نفسه، شدد أبو ليلى على أنه لابد أن ندرك تماماً أن معركتنا "نحن اللاجئين الفلسطينيين" هي معركة ثقافية بكل ما للكلمة من معنى، ولذلك عندما نصر على تعميم التراث على أولادنا وأحفادنا نكون قد وضعنا بصمة على طريق العودة، وعندما تصر المرأة الفلسطينية على أن تعليم بناتها منذ الصغر سر التطريز تكون بذلك تقاوم المحتل، ولذلك مواجهة سرقة الاحتلال للتراث الفلسطيني هو بتعميمه، وبتعليمه، وبنشره.

ويورد ست خطوات من أجل الحفاظ على التراث واستمرار إحيائه، وهي: إحياء الشعر والقصيدة والأغنية والمسرحية والفيلم والمثل الفلسطيني، ونشرها بكل الوسائل المتاحة على الصعيد الإعلامي والثقافي، ووضع منهاج تعليمي يدرس فيه التراث الفلسطيني في مدارس الأونروا، وتفعيل دور المكتبات الوطنية على أن تعمل على إعادة طباعة كل التراث الفلسطيني من بدايات القرن التاسع عشر وفي عهد الانتداب.

وأضاف أنه أيضا من ضمن الخطوات كشف ورصد "المخططات الصهيونية" لطمس الهوية الفلسطينية وسرقة ثروته الحضارية، وتبني مشاريع تدريبية متخصصة للأشغال الفلسطينية كالتطريز والتحف والزخرفات للمرأة الفلسطينية، وإدخال التراث الفلسطيني في الحفلات والمناسبات والمهرجانات والأعراس من خلال تقديم المأكولات الفلسطينية وارتداء الزي الفلسطيني المطرز.

وأما الرسالة التي يوجهها للجيل القديم – جيل النكبة - فيقول فيها: "إننا الجيل الثالث من نكبة فلسطين، نتعهد بأننا لن نتخلى عن حقنا الثابت بالرجوع إلى فلسطين ولن نتخلى عن ما ورثناه منكم من حضارة تراث عظيم وحضارة عريقة عمرها آلاف السنوات".

للجيل الجديد أيضًا رسالة، يحثهم فيها أبو ليلى بقوله: "إننا أمام طريق طويل وشاق في معركتنا مع العدو الذي طرد أجدادنا وأهلنا ودنس مقدساتنا وسرق تراثنا وحضارتنا، وهذه المعركة يجب أن ننتصر نحن فيها، وقد اختار هذا العدو القتل والإجرام والاعتقال لشعبنا في الداخل واختار ضرب الثقافة وتشويهها وسرقتها، أمام هذا الواقع يجب أن نتحد ونتوحد في معركتنا حتى نضع بصمة جميلة في تحرير الوطن والعودة اليه".

المصدر: فلسطين أون لاين