حسابات الإقليم تُعلّق ملف غزة السياسي
بانتهاء "عاصفة الحزم" التي شنتها المملكة العربية السعودية ودول التحالف ضد الحوثيين في اليمن واستمرت نحو 25 يوما، يتطلع الفلسطينيون إلى اعادة مشهد قطاع غزة للواجهة من جديد على ضوء توجه ما يعرف بـ "الحلف السني" الذي سبق المعركة، بالتعاطي مع حركة حماس بما يخدم مصلحة القطاع ويحقق تفكك في الحصار.
وكما هو واضح فإن توقف العملية العسكرية قد يحقق هدوءا نسبيا في المنطقة، بما يخدم مشاريع اقامة تحالفات جديدة غزة لن تكون بعيدة عنها، ولكن ثمة سؤال يدور حول واقعية التعاطي مع الاخوان المسلمين خصوصا بعد محاكمة الرئيس المصري المعزول محمد مرسي أول أمس ومرشد الاخوان المسلمين محمد بديع؟
والغاية من الاجابة على هذا السؤال ليست تثبيط آمال المواطنين، بقدر ما هي محاولة للبحث عن تصور حقيقي لما قد يجري لاحقا على صعيد التعاطي مع القطاع الذي يعاني شظفا في العيش وغياب أفق إعادة الاعمار.
وقد بدا سقف التفاؤل عاليا لدى نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية، في حديثه عما تحمله المتغيرات الإقليمية من بشرة خير إلى غزة، دون أن يقدم رؤية واضحة عن مألات الأمور بانتهاء عاصفة الحزم.
ويتضح من ذلك أن حماس تتوقع فتح الباب أمام حلّ سياسي في المنطقة ربما يشملها بصفتها رأس حربة المقاومة الفلسطينية، ولكن لا أحد يملك رؤية شمولية حول النتائج الفعلية فيما إذا كان الحديث يدور عن تهدئة طويلة نسبيا مع (إسرائيل) تضمن إنهاء الحصار، أو الانفتاح التدريجي نحو "القاهرة" بصفتها جزءًا مهما من المحور السني الذي تشكل قبل انطلاق عاصفة الحزم، لمواجهة المد الشيعي في المنطقة.
وإذا ما اعتبرنا أن الخيار الأخير مستبعد في ضوء محاكمة النظام المصري القائم للإخوان والتي تمتد إليهم حماس ايدلوجيا وفق ما قاله المحلل السياسي طلال عوكل، فإنه ليس مستبعدا أن يكون هناك توجه نحو تهدئة بين المقاومة والاحتلال في غزة وفق ما يدور في الأروقة السياسية.
غير أن عوكل الذي تحدث بصفته مواطنا قبل أن يكون سياسيا، حذّر من أن تكون هذه التهدئة رغم الحاجة الماسة إليها على حساب التوافق الوطني، "وبما يعزز المشروع (الإسرائيلي) بفصل قطاع غزة عن باقي الاراضي المحتلة".
ويجب ألا نغفل أن (إسرائيل) فركت يديها فرحا بالمعركة السنية الشيعية، على اعتبار أنها مرحلة استنزاف وسيؤجل التعاطي مع الملف الفلسطيني على إثرها إلى مراحل متأخرة، وهذا ربما ما كان يدفع باتجاه محاولة التسخين نحو غزة خلال الفترة الاخيرة عبر الحديث عن حجم الخسائر البشرية التي تكبدتها في الحرب على القطاع، وضرورة توجيه ضربة للانتقام من حماس في ظل حالة الانشغال العربي.
ولكن التصريح الأخير لوزير الجيش (الإسرائيلي) موشيه يعالون والذي تزامن مع توقف عاصفة الحزم، حول مواصلة حكومته بذل الجهود لاستعادة أشلاء جنديها المفقود في غزة "هدار غولدن" والرقيب أول "شاؤول ارون"، يحمل إشارة أن هناك محاولة لتهيئة الجبهة الداخلية في (إسرائيل) لصفقة تبادل ربما تشمل تهدئة نسبية مع قطاع غزة.
في جميع الأحوال، إن تحققت التهدئة فإن هذا ليس كافيا بالنسبة للقطاع الذي يتطلع إلى انفتاح عربي واسع كمحاولة للإبقاء على القضية الفلسطينية كقضية مركزية ومحورية بالنسبة للعرب عموماً، إلا أن التعويل على هذا الانفتاح يبقى صعبا في الوقت الراهن الذي يرى فيه عوكل أنه لايزال مليئًا بالتناقضات والاشتباكات.
وعليه فإن ملف غزة سيبقى معلقا من وجهة نظر المحلل السياسي، خصوصا وأن حسابات الإقليم لا تزال تربطها المصالح أكثر منه الأحلاف المذهبية، وبالتالي يصبح من الصعوبة بمكان توقع مستقبل غزة على الأقل خلال الفترة الحالية التي اخمدت فيها ألسنة النار بين السعودية وايران، ولكن الرماد مازال قابلا للاشتغال نظرا لعدم التوصل لاتفاق.
أضف تعليق
قواعد المشاركة