لماذا يبتسم؟

منذ 9 سنوات   شارك:

يسترق الفتى الجريح نظرة إلى الكاميرا، من بين أكتاف جنود الاحتلال، المتكاثرين على جسده النحيل، وإذ تقع عينه في عينها، يبتسم، بفرح واضح بسيط، وخال من أي خوف، أو ألم، حتى ليكاد يظن من يرى بريق عينيه، بأنه هو الذي يلقي القبض عليهم، ليقتادهم إلى السجن، لا العكس.

في حالات أخرى، وهي الغالبة، يحدث أن تبلغ زخات الرصاص قلب الفتى، أو دماغه، فيموت، قبل أن يحظى بفرصة الزهو، ثوان قليلة، أمام عدسات المصورين، ويحدث، أيضاً، أن يرى مجايلوه، في هذا المشهد، ما يستحثهم على تكراره، فيحمل واحد منهم، أو أكثر، سكيناً، ويخرج، في اليوم التالي، إلى شوارع القدس، بحثاً عمن يطعنه من محتلي وطنه، وهو يدرك، بل يرسم مسبقاً صورة النهاية، حيث سيسقط قتيلاً، أو أسيراً، والابتسامة تملأ وجهه.

لماذا يبتسم؟ سؤال، سيثير جنون الإسرائيليين، بقدر ما ستفضح الأشكال الكفاحية الفلسطينية الجديدة عجز دولتهم بمؤسساتها الأمنية والعسكرية والسياسية، عن فهم أسباب وآليات تنامي روح المقاومة، لدى جيل من الفلسطينيين، ولد، ونشأ، في ظل مساع داخلية وإقليمية ودولية حثيثة، لتعميم اليأس، من إمكانية دحر الاحتلال، سلماً أو حرباً.

إسرائيل، هنا، تقفز إلى معالجة النتائج، من دون أن تحاول رؤية المقدمات، وككل الغزاة والطغاة، تعميها القوة المادية، فلا تكف عن إعادة تجريبها جواباً لحل أي معضلة، ولا يجد قادتها ما يفعلونه للرد على تصاعد المقاومة، غير تعزيز إجراءات القمع نفسها التي أخفقت في أن تكسر إرادة التحرر لدى الفلسطينيين، رغم اعتمادها وسيلة أساسية ضدهم طوال سبعة عقود مضت.

لن يفكّر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وهو يجتمع، المرة تلو الأخرى، مع أركان حكومته الأمنية، وقادة جيشه، وأجهزة مخابراته، سوى بكيفية محاصرة الفلسطينيين لمنع سكاكينهم من الوصول إلى صدور المستوطنين، وهو سيمتنع، على الأرجح، عن استطلاع آراء من يستطيعون، من بني قومه، أن يمدوا النظر، قليلاً، إلى الوراء، ليقولوا له إن الفتى الطعّان كان رضيعاً في المهد، أو لعله لم يكن قد رأى نور الحياة بعد، حين تلقى ذووه، وأقرباؤه، وأهل هذي البلاد، بكليتهم، وعد إحلال السلام، ثم كان أن واصلت إسرائيل الحرب، قتلاً واعتقالاً للبشر، واستيطاناً للأرض، وتهويداً للمقدسات، ففرضت عليه أن يعيش طفولته، ومراهقته، ومطلع شبابه، وسط عوامل موضوعية تدفعه، كلها، إلى الدفاع عن إنسانيته، بما تصل إليه يده، ويده ما عادت تصل، في زمن عجز قيادته، ومواصلتها التنسيق الأمني مع العدو، إلا إلى سكين المطبخ، يتأبطها، ليواجه بها الدولة الأقوى في المنطقة، وحين يرى أثر فعله عليها، يتيقن من أنه خيّب رهانها على يأسه، فيشعر بالنصر، ويبتسم.

لكن، وحيث يحدث كل هذا الذي يحدث، بمبادراتٍ فردية، لا صلة لها بالفصائل والتنظيمات الفلسطينية، سواء منها التي تتبنى نهج المقاومة، أو نهج التسوية، فإن تفسير الأمر، ربما بات يقتضي البحث في ما هو أبعد وأعمق، من فكرة الحديث عن جيلٍ جديد، يتحدّى الاحتلال، ليثير، في الوقت نفسه، تساؤلاً جدياً عمّا إذا كان ذلك يؤشر إلى إمكانية نشوء بدائل للأطر السياسية الفلسطينية العاجزة، والمنقسمة على ذاتها.

صحيح أن طرح مثل هذا التساؤل، قد يبدو فجاً، أو صدامياً، وفق رؤية تقليدية تاريخية تعتبر منظمة التحرير أبرز إنجازات الشعب الفلسطيني في مواجهة مخططات طمس هويته الوطنية، وصحيح أن جوابه قد يحتاج وقتاً طويلاً قبل أن يتبلور، لكنه تساؤل يتغذّى من واقع يقول إن المنتفضين الجدد، وعلى عكس سابقيهم، يخوضون معركتهم، على الرغم من تخلي القيادة الرسمية الفلسطينية عنهم، ويشكلون تحدياً لها، لا لإسرائيل فحسب، ومن المفترض أن يكون لهم قولهم في مصيرها، إن استمرت انتفاضتهم، وتعاظمت، ولم تتعرّض للتصفية، وهي في المهد.

 

المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام 

مقالات متعلّقة


أضف تعليق

قواعد المشاركة

 

تغريدة "Gaza Writes Back"

  !israel is a piece of shit and they know ittwitter.com/ThisIsGaZa/status/595385208385449985/photo/1 




تغريدة "عاصم النبيه- غزة"

 عندك القسام وبتأيد داعش؟ روح استغفر ربك يا زلمة.. #غزةtwitter.com/AsemAlnabeh/status/595507704338186240
 




تغريدة "أحمد بن راشد بن سعيد"

القاهرة تنتفض ضد قرار تقسيم #فلسطين عام 1947.كان زمان!لكن تظل #فلسطين_قضيتناtwitter.com/LoveLiberty/status/594548013504307200/photo/1




تغريدة "Joe Catron"

 Take a moment to thank "@MsLaurynHill" for cancelling her concert in occupied Palestinetwitter.com/jncatron/status/595337215695192064/photo/1




تغريدة "Dr. Ramy Abdu"

 المغنية الأمريكية المشهورة لورين هيل تلغي حفلها الفني في "إسرائيل" بعد حملة واسعة لنشطاء حركة المقاطعة.twitter.com/RamAbdu/status/595530542910742528




تغريدة "النائب جمال الخضري"

في #غزة يقهرون الإعاقة ويلعبون الكرة الطائرة أطرافهم بترت اثناء الحرب على غزة لا يأس ولكن عزيمة وصمود لهم التحية.twitter.com/jamalkhoudary/status/595520655858147328





 

حسام شاكر

الإبداع في ذروته .. رفعت العرعير مثالاً

أيُّ إبداعٍ يُضاهي أن تُنسَج القصيدة المعبِّرةُ من نزفِ شاعرها أو أن تصير الكلمات المنقوشة بالتضحيات العزيزة محفوظاتٍ مُعولَمة في … تتمة »


    ابراهيم العلي

    في ظلال يوم الأرض الفلسطينون : متجذرون ولانقبل التفريط

    ابراهيم العلي

     يعد انتزاع الاراضي من أصحابها الأصليين الفلسطينيين والإستيلاء عليها أحد أهم مرتكزات المشروع الصهيوني الاحلالي ، فالأيدلوجية الصهي… تتمة »


    تتقدم مؤسسة العودة الفلسطينية من عمال فلسطين بأطيب الأمنيات وأجلّ التحيات لما يقدمونه من جهد وعمل وتضحية..
صامدون - عاملون - عائدون
    تتقدم مؤسسة العودة الفلسطينية من عمال فلسطين بأطيب الأمنيات وأجلّ التحيات لما يقدمونه من جهد وعمل وتضحية.. صامدون - عاملون - عائدون