تصعيد الموقف الأوروبي من إسرائيل معركة ديبلوماسية مرتقبة

منذ 8 سنوات   شارك:

هشام منوّر

كاتب وباحث فلسطيني

مع صدور قرار عن مجلس وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي ينص على التمييز بشكل كامل بين إسرائيل والأراضي العربية المحتلة عام 1967، أي الضفة الغربية والقدس الشرقية وهضبة الجولان، تدخل العلاقات الأوروبية الإسرائيلية حقبة جديدة من المنتظر أن تلقي بظلالها على المنطقة برمتها، وحتى أوروبا.

الاحتلال الإسرائيلي كان يتوقع قراراً معتدلاً نسبياً يحاول من خلالها الالتفاف على مضمون القرار سياسياً واقتصادياً، لكن موظفين حكوميين إسرائيليين قالوا إنه اتضح من مداولات جرت في مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل، أن صيغة القرار ستكون أشد بكثير من المتوقع، وبناء على ذلك قامت وزارة الخارجية الإسرائيلية بجهود مكثفة في محاولة لمنع إقرار صيغة مسودة القرار.

رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، استبق القرار من خلال القيام بحملة دبلوماسية ضد قادة سياسيين في الاتحاد الأوروبي، فهاجم مرة أخرى وزيرة الخارجية السويدية، مارغوت وولستروم، التي دعت إلى إجراء تحقيق دولي في إعدام الفلسطينيين بادعاء تنفيذهم أو نيتهم تنفيذ عمليات طعن. ووصف نتنياهو دعوة وزيرة الخارجية السويدية بأنها «كيل بمكيالين يمارس ضدنا«، وقال إن دعوتها «سخيفة«، وإنه «يأمل في أن هذه الرؤية لن تسود في المناقشات التي يجريها وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي هذا الأسبوع« حول التمييز بين إسرائيل والأراضي المحتلة.

وأضاف نتنياهو أن «الكيل بمكيالين ضد إسرائيل وتشويه الحقائق ومهاجمة إسرائيل والانحياز ضدها، كل هذا لن يساعد الاتحاد الأوروبي في المشاركة في المناقشات التي تجرى في الشرق الأوسط. وأكثر من ذلك، هذا الأمر مرفوض وغير عادل ولن نقبل به«. كما أجرى نتنياهو اتصالات هاتفية مع زعماء ووزراء خارجية عدد من دول الاتحاد الأوروبي، بينها اليونان وقبرص وبلغاريا وهنغاريا والتشيك، وطلب منهم معارضة النص الحالي لمسودة مشروع القانون، بادعاء أنها «غير متوازنة تجاه إسرائيل«.

قرار مجلس وزراء الاتحاد الأوروبي هو الأخير حتى الآن في سلسلة قرارات اتخذها الاتحاد على خلفية استمرار الاحتلال وتوسيع الاستيطان في السنوات الأخيرة، وأدت إلى نشوء أزمة في العلاقات بين الجانبين. وجميع الخطوات التالية جرت خلال ثلاث ولايات لنتنياهو في رئاسة الحكومة. ففي العام 2009، في أعقاب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، جرى تجميد تطوير العلاقات بين الاتحاد الأوروبي و«إسرائيل«، وهذا الوضع مستمر حتى اليوم. وفي العام 2013، اقترح الاتحاد الأوروبي على إسرائيل رزمة مساعدات، وُصفت بأنها «غير مسبوقة« في حال وافقت على التوقيع على اتفاق سلام مع الفلسطينيين. لكن الحكومة الإسرائيلية تجاهلت ذلك مما أدى إلى غضب أوروبي.

وفي عام 2014، انضمت «إسرائيل« إلى المشروع الأوروبي العملاق «هورايزن 2020» للتعاون في المجالات العلمية، واشترط الاتحاد الأوروبي انضمام «إسرائيل« بأن لا يسري المشروع على المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية وهضبة الجولان. أما في العام 2015، فقد قرر الاتحاد الأوروبي تنفيذ قرار وسم منتجات المستوطنات في أسواق الدول الـ28 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ورداً على ذلك جمّدت إسرائيل المحادثات مع الأوروبيين حول استئناف عملية السلام.

البنود الأساسية للقرار الأوروبي نص على أن «الاتحاد الأوروبي سيستمر في التمييز بصورة واضحة ولا لبس فيها بين «إسرائيل« وكافة الأراضي المحتلة عام 1967».، وأن «الاتفاقيات بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي تسري على إسرائيل فقط لا غير«، وأن «الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه متحدون في الالتزام بضمان التطبيق الكامل للقوانين الأوروبية والاتفاقيات المتعلقة بمنتجات المستوطنات«.، فضلاً أن «الاتحاد الأوروبي يعيد إقرار قراره (بشأن وسم منتجات المستوطنات) ولا يرى فيه مقاطعة لإسرائيل، وهو أمر يعارضه الاتحاد«.، كما سيتابع «الاتحاد الأوروبي عن قرب التطورات الميدانية وتبعاتها الأوسع«.، وسيدرس «تنفيذ أنشطة أخرى من أجل حماية إمكانية تطبيق حل الدولتين، الآخذ بالتراجع بشكل دائم بسبب فرض وقائع ميدانية (إسرائيلية) جديدة«.

مصادر في وزارة الخارجية الإسرائيلية اعتبرت أن مشروع القرار الأوروبي تدفعه السويد وايرلندا، وتدعمه فرنسا بشكل جزئي. لكن دبلوماسيين أوروبيين مطلعين على تفاصيل الخطوة الأوروبية، أكدوا أن من دفع باتجاه هذا القرار هي الدول الأوروبية الكبرى، بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا، وبقدر معين ألمانيا أيضا، وأضاف الدبلوماسيون أن مندوبي هذه الدول الخمس شددوا خلال المداولات الداخلية في مؤسسات الاتحاد الأوروبي، على أن دولهم ترفض التنصل من سياستها تجاه المستوطنات، وأنها معنية بصيغة مشددة.

صدور القرار بصيغته الحالية يشكل إرساء آخر للسياسة الأوروبية بالفصل بين الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنات من الناحية القانونية. وعواقب ذلك قد تكون شديدة وتقود إلى المزيد من العقوبات ضد المستوطنات. إذ اعتبر محللون إسرائيليون أنه «إذا طُرحت مبادرات لدول الاتحاد الأوروبي ضد المستوطنات سيكون من الصعب إيقافها«.

«إسرائيل« توقعت هذه الخطوة الأوروبية، فقد قال نتنياهو خلال اجتماع كتلة حزب الليكود في الكنيست «إننا في خضم أزمة ليست بسيطة مع الاتحاد الأوروبي، وهي أزمة سياسية أولا. لقد وسموا المنتجات ولا يمكن معرفة ما إذا كان هناك المزيد«. وتطرق نتنياهو إلى تقارير حول أنشطة الاتحاد الأوروبي في المنطقة C في الضفة الغربية، واعتبر أنها ليست نابعة من أسباب إنسانية، وأن «هذا مجهود سياسي للاتحاد الأوروبي. هذا واضح وضوح الشمس ولا شك فيه. وسنعمل في هذا الموضوع في إطار قدراتنا«.

صحيفة «هآرتس« نقلت عن دبلوماسيين أوروبيين قولهم إنه يخيم فوق صيغة القرار الذي صوت عليه وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي روح التقرير الصادر قبل عدة شهور عن مركز الأبحاث التابع للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، وتناول الحاجة إلى تحويل التمييز بين إسرائيل والمستوطنات إلى عنصر أساس في السياسة الأوروبية تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

ولفت المراسل السياسي للصحيفة، باراك رافيد، إلى أن «إرساء «سياسة التمييز« هذه في التشريعات الأوروبية والاتفاقيات مع «إسرائيل« في المجالات الاقتصادية، الأبحاث والتطوير، القضاء، المواصلات، الطيران والإعفاء من تأشيرات الدخول، من شأنه أن يجر قيوداً خطيرة على شركات ومجموعات وأفراد يعملون ويتواجدون أو يسكنون في المستوطنات«. وأضاف رافيد أن «التركيز على عنف المستوطنين تجاه الفلسطينيين يجعل إدخال نشطاء يمين متطرف إلى قوائم العقوبات الشخصية للاتحاد الأوروبي، بما في ذلك رفض دخولهم إلى القارة، سيناريو غير مستبعد«.

وأشار رافيد إلى أن فرنسا هي التي تقف خلف إدخال الدعوة لتنفيذ خطوات عملية من أجل إنقاذ حل الدولتين وعقد مؤتمر سلام دولي، لأنها معنية بدفع مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي في موضوع المستوطنات.

الصيغة المشددة لمسودة القرار الأوروبي والمفاوضات التي جرت خلف الكواليس بين الدول الأوروبية الكبرى، تدلان على أن الرد الإسرائيلي على قرار الاتحاد الأوروبي بنشر تعليمات حول وسم منتجات المستوطنات عملت كسهم مرتد. فإعلان الاحتلال الإسرائيلي عن تجميد الاتصالات في الموضوع الفلسطيني مع مؤسسات الاتحاد الأوروبي في بروكسل والقيام بما سماه الإعلام الإسرائيلي «خطوات انتقامية صبيانية« ضد عدة دول أوروبية أيدت وسم منتجات المستوطنات، صعّدا الغضب والإحباط في أوروبا تجاه إسرائيل.

لكن نتنياهو اعتبر حينها خلال حفل استقبال لمراسلي وسائل الإعلام الأجنبية في «إسرائيل«، أقيم يوم الخميس الماضي، أن «مشكلة إسرائيل ليست مع دول أوروبا المختلفة، وإنما مع جهاز الاتحاد الأوروبي، ومع البيروقراطيين المعادين لإسرائيل في مقرات الاتحاد الأوروبي في بروكسل، وإذا غاب هؤلاء فإن جميع المشاكل ستحل«. إلا أن دبلوماسيين أوروبيين قالوا إن صورة الوضع معاكسة تماما لتلك التي يعرضها نتنياهو، وأشاروا إلى أن وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، فدريكا موغيريني، ومسؤولين في مفوضية العلاقات الخارجية للاتحاد الأوروبي، طرحوا مسودة قرار مخففة نسبياً، لكن مندوبي الدول الخمس الكبرى لم يوافقوا عليها وطالبوا بتشديدها.

هي معركة مرتقبة سوف تدشن حقبة من العلاقات المتوترة مع أقرب الحلفاء الغربيين للاحتلال بعد الولايات المتحدة، ولا يبدو أن القرار الأوروبي المدعوم من قوى أوروبية كبرة وخاصة فرنسا، ينبني على المواقف الإسرائيلية من الشعب الفلسطيني، وربما كان لاحتمال تورط «إسرائيل« في أحداث أوروبية أمنية، حاول الإعلام الغربي التكتم عليها خشية وسمه بمعاداة السامية، سبباً مرجحاً في تشديد القرار واتخاذ الأوروبيين سياسة أكثر تشدداً تجاه من يحاول العبث بأمنهم وإشغالهم بقضاياهم الداخلية!

مقالات متعلّقة


أضف تعليق

قواعد المشاركة

 

تغريدة "Gaza Writes Back"

  !israel is a piece of shit and they know ittwitter.com/ThisIsGaZa/status/595385208385449985/photo/1 




تغريدة "عاصم النبيه- غزة"

 عندك القسام وبتأيد داعش؟ روح استغفر ربك يا زلمة.. #غزةtwitter.com/AsemAlnabeh/status/595507704338186240
 




تغريدة "أحمد بن راشد بن سعيد"

القاهرة تنتفض ضد قرار تقسيم #فلسطين عام 1947.كان زمان!لكن تظل #فلسطين_قضيتناtwitter.com/LoveLiberty/status/594548013504307200/photo/1




تغريدة "Joe Catron"

 Take a moment to thank "@MsLaurynHill" for cancelling her concert in occupied Palestinetwitter.com/jncatron/status/595337215695192064/photo/1




تغريدة "Dr. Ramy Abdu"

 المغنية الأمريكية المشهورة لورين هيل تلغي حفلها الفني في "إسرائيل" بعد حملة واسعة لنشطاء حركة المقاطعة.twitter.com/RamAbdu/status/595530542910742528




تغريدة "النائب جمال الخضري"

في #غزة يقهرون الإعاقة ويلعبون الكرة الطائرة أطرافهم بترت اثناء الحرب على غزة لا يأس ولكن عزيمة وصمود لهم التحية.twitter.com/jamalkhoudary/status/595520655858147328





 

حسام شاكر

الإبداع في ذروته .. رفعت العرعير مثالاً

أيُّ إبداعٍ يُضاهي أن تُنسَج القصيدة المعبِّرةُ من نزفِ شاعرها أو أن تصير الكلمات المنقوشة بالتضحيات العزيزة محفوظاتٍ مُعولَمة في … تتمة »


    ابراهيم العلي

    في ظلال يوم الأرض الفلسطينون : متجذرون ولانقبل التفريط

    ابراهيم العلي

     يعد انتزاع الاراضي من أصحابها الأصليين الفلسطينيين والإستيلاء عليها أحد أهم مرتكزات المشروع الصهيوني الاحلالي ، فالأيدلوجية الصهي… تتمة »


    لاعب خط الوسط الأردني محمود مرضي يرفع قمصيه كاتباً "هي قضية الشرفاء" ، بعد تسجيل هدف لمنتخبه ضد ماليزيا.
    لاعب خط الوسط الأردني محمود مرضي يرفع قمصيه كاتباً "هي قضية الشرفاء" ، بعد تسجيل هدف لمنتخبه ضد ماليزيا.