الباب والمفتاح و"خان الشاوردا"...

منذ 9 سنوات   شارك:

مروان عبد العال

كاتب وروائي وسياسي فلسطيني

خاص العودة

تصف جدتي الباب المفتوح على مصراعيه بأنه مثل " خان شاوردا ".

الكلمة تتردّد على لِساني كأنها بلا كائن أو أصل مكاني. وصف معتمد لكل حالة تسيُّب وفوضى، تُوسم بحالة "خان شاوردا".

كلمة إستوطنت لغتنا منذ الطفولة، ولم نكن نعرف منبتها الأول، وما هو معناها الأصلي، سوى أنها وصف الباب المخلوع والوطن الذي بلا باب أو بواب يحميه، حتى قرأت مرّة بالصدفة عن قصة هذا الخان، بأنه يقع قرب المدخل الشرقي لسور مدينة عكا، كان مكان واسع في وسطهِ سبيل مياه لسقاية المواشي.

"الشاوردا" هو سبيل سائب لكل عابر سبيل، لا تحتاج لتصريح كي تدخله ولا لِتزوير جواز سفرك، كي تكون ضيفا، ويطيب لك المقام، رشيقة هي الكلمة تتبعها فتصل بها إلى وطن، إلى الباب الأهم من البيت، من لا يملك الباب لا يملك البيت، حين يصادر الباب منك، تصادر حريتك منك، لك البيت ولنا المفتاح، وحين تستأذن النوم في بيتك لا يكون بيتك، هو حقل تجارب في فن تشويه صورة البطل، دخول الباب ليس مثل الخروج منه، كأنه معبر صريح بين الانتماء والضياع.

خان شاوردا، هذا الضياع الذي تتكسر عليه مراياوجوهنا، باب الدّار في المخيم كان مفتوحاً باستمرار، للداخل والخارج، وخاصة عندما تشترك في الدّار عدة بيوتات، باب مفتوح لا أذكر إن كان له قفل؟ أبدًا، لم أجدهُ مغلق بتاتاً، أستغرب لِمَ يُقال عنه أنه "خلقت باب يرد من الكلاب"، يأتي الجواب على عجل "الكلاب أخذوا بيوتنا الأصلية وما نفع المفتاح إن كان لا يوجد باب؟

خان شاوردا... الانتماء المعاكس في المخيم، البيت فيه قد لا يلزمه قفل للباب. لذة الآمر والناهي وصاحب القرار هي سادية المحتل، متعته أن يكون بواباً ووحده يمتلك المفتاح، كي يلقي القبض على همس العصافير ويضع حاجزاً بين قبلة الفراشات وثغر الياسمين.

أخيرًا تذكرت خان شاوردا، حين سمعت بإذن الزيارة الى الوطن.. وصفتها لي زائرة كانت قد شربت من الكأس المر. تصف كيف تجلس شرطية حرس الحدود التي تدل ملامحها أنها ليست من هذا الشرق، ولكنها تتربص بالمارة وخلف الزجاج السميك، تحتل بوابة الوطن المحتجز خلفها. يومها نست كلمات اغنية فيروز وهي فوق جسر خشبي يعبر فوق النهر. ساعات تدقق في أوراق الزائرة الجميلة التي لم يتوقف قلبها عن الضجيج في تلك اللحظة، وسألَتها: ما هو سبب الزيارة الى مدينة رام الله؟

ما كان من الصبية القادمة من المخيم للمرّة الأولى إلا أن تجيب بشكل عادي: أنا ذاهبة إلى وطني نظرت الشرطية الغريبة بلؤم وقالت باشمئزاز يتقصّد الإهانة: هل أنت متأكدة أنه وطنك؟ تتردّد الأقدام في المسير، بينما يبقى هذا العبور يطارد الذكريات المسموحة في القلب والممنوعة خارجه.

خان شاوردا، ما زال يتبعنا كلما ولدت فينا نبضة قلب ورعشة حلم، وشغف السؤال، ذاك الكائن الذي يبقى لاجئا وإن أتعبه السفر، أنا الكائن الشقي الذي لا بد منه، يهزني سؤال الهوية ومعنى الانتماء الحقيقي: ما البيت بلا باب والمكان بلا روح والكلمات بلا معنى وما الوطن بلا بطولة؟ يأتيني صدى الجواب: شتان بين أصالة الانتماء للوطن والتيه الذي يرتفع بحجم خان شاوردا.

مقالات متعلّقة


أضف تعليق

قواعد المشاركة

 

تغريدة عارف حجاوي

twitter.com/aref_hijjawi/status/1144230309812215814 




تغريدة عبدالله الشايجي

twitter.com/docshayji/status/1140378429461807104




تغريدة آنيا الأفندي

twitter.com/Ania27El/status/1139814974052806657 




تغريدة إحسان الفقيه

twitter.com/EHSANFAKEEH/status/1116064323368046593




تغريدة ياسر الزعاترة

twitter.com/YZaatreh/status/1110080114400751616 




تغريدة إليسا

twitter.com/elissakh/status/1110110869982203905 





 

محمود كلّم

من نيبال إِلى غزّة: حين يُغلِقُ الحاكمُ أُذُنيهِ عن صرخاتِ شعبهِ!

القمع لا يقتل الأفكار، بل يورثها مزيداً من الاشتعال. وكل كلمة مكتومة تتحول جمراً تحت الرماد، تنتظر ريحاً صغيرة لتتحول ناراً تعصف ب… تتمة »


    ياسر علي

    مؤسسة "هوية".. نموذج فاعل في الحفاظ على الانتماء الفلسطيني

    ياسر علي

    جاء المشروع الوطني للحفاظ على جذور العائلة الفلسطينية-هوية في سياق اهتمام الشعب الفلسطيني وأبنائه ومؤسساته بالحفاظ على جذور ه وعاد… تتمة »


    معايدة رمضانية 

تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.

 رمضان كريم 
نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى.

كل عام وأنتم بخير 
    معايدة رمضانية  تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.  رمضان كريم  نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى. كل عام وأنتم بخير