الطب الشعبي عند عشيرة عرب السّمنيّة في قضاء عكا.
محمود كلّم
كاتب فلسطينيالطب الشعبي عند عشيرة عرب السّمنيّة في قضاء عكا هو جزء من تراثهم وتقاليدهم العريقة، ويعكس ارتباطهم الوثيق بالطبيعة ومعرفتهم العميقة بالنباتات المحلية وأساليب العلاج التقليدية التي توارثوها عبر الأجيال. يتميز هذا الطب الشعبي بتنوعه وبساطته، حيث يعتمد على الموارد المتاحة في البيئة المحلية ويستند إلى تجارب الأجداد. وما يلي بعض الممارسات التقليدية التي يستخدمها أفراد عشيرة عرب السّمنيّة في العلاج الشعبي:
1. استخدام الأعشاب والنباتات الطبية:
يعتمد أفراد عشيرة عرب السّمنيّة على النباتات التي تتوافر في بيئتهم، مثل البابونج، الزعتر البري، الميرمية، القريص، الطيّون، البقدونس، زيت الزيتون، الخروب، البصل والثوم. تُستخدم هذه الأعشاب لعلاج أمراض الجهاز التنفسي، مثل السعال والزكام، وكذلك لتهدئة مشاكل الجهاز الهضمي. طريقة التحضير: تُجفف الأعشاب وتُخزن بعناية، ويتم غليها وشربها كشراب ساخن أو استخدامها كدهانات موضعية.
2. العلاج بالعسل وزيت الزيتون:
العسل وزيت الزيتون هما من العناصر العلاجية الأساسية في الطب الشعبي عند عرب السّمنيّة.
دواعي الاستعمال:
يتم استخدام العسل لعلاج الجروح والقروح، ولتقوية المناعة خاصةً للأطفال وكبار السن. أما زيت الزيتون، فيُستخدم لتدليك العضلات وتخفيف آلام المفاصل ولترطيب الجلد. ويُمزج زيت الزيتون، أحيانًا مع أعشاب أخرى لزيادة فعاليته العلاجية.
3. الكي بالنار:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (الشِّفاءُ في ثَلاثَةٍ: في شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ، أوْ كَيَّةٍ بنارٍ، وأنا أنْهى أُمَّتي عَنِ الكَيِّ).
الراوي: عبد الله بن عباس • البخاري، صحيح البخاري (٥٦٨١) •[صحيح] •
كانت عشيرة عرب السّمنيّة، كغيرها من العشائر العربية، تستخدم الكي بالنار كجزء من تقاليدها العلاجية المتوارثة، وذلك لاعتقادهم بفعالية هذا الأسلوب في علاج بعض الأمراض والآلام المستعصية، ويستخدم الكي في معالجة الحصبة والروماتزم وآلام الظهر والعصب. ورغم أن هذا النوع من العلاج لم يعد شائعًا في الوقت الحالي، إلا أنه يحظى باحترام كبير داخل العشيرة، ويُعدّ أحيانًا وسيلة للتعامل مع الحالات الصحية التي قد لا يجدون لها علاجًا في المستشفيات.
كيف يتم الكي بالنار عند عرب السّمنيّة؟
عادةً ما يكون الكي عملية دقيقة تُنفذ بواسطة شخص مختص، ويكون معروفًا بخبرته في العلاج بالكي. ويتم ذلك باستخدام قطعة معدن تُسخن حتى تصل إلى درجة حرارة عالية جدًا، ثم تُطبق على مناطق معينة من الجسم. وهم يعتقدون أن هذا التطبيق الحراري يمكنه "قتل" المرض أو الألم في مكانه ويُساعد الجسم على الشفاء.
بعض الحالات التي يُستخدم فيها الكي عند عشيرة عرب السّمنيّة:
أ. آلام المفاصل: حيث يُستخدم الكي لتخفيف آلام الركبة أو الظهر، خاصة عندما يشعر المريض بآلام مزمنة يصعب علاجها بالأدوية التقليدية.
ب. مشاكل الجهاز الهضمي: يستخدم الكي أحيانًا لعلاج بعض آلام المعدة أو القولون التي يُعتقد أنها مرتبطة ببرودة المعدة.
ج. التهابات الجلد والجروح: قد يُستخدم الكي لإيقاف انتشار الالتهابات أو القضاء على الجراثيم والبكتيريا في الجروح، وفقًا لمعتقدات العشيرة.
د. الحالات النفسية والروحية: يُستخدم الكي أحيانًا كعلاج تكميلي لبعض الحالات التي تُعزى إلى أسباب روحية أو نفسية، مثل القلق المزمن.
رغم أن الكي بالنار يظل جزءًا من التراث العلاجي لعرب السّمنيّة، إلا أن هذا الأسلوب بدأ يختفي تدريجيًا بسبب الوعي المتزايد بالمخاطر المحتملة والإقبال على العلاجات الطبية الحديثة، لكنه يظل جزءًا من التراث الذي يعتزّ به أفراد العشيرة، ويُعتبر رمزًا للتراث والشفاء بطرق الأجداد. ومن أشهر من كان يعالج بالكيّ بالنار: (موسى لافي كلّم).
4. استخدام الحجامة:
وقد مرّ معنا الحديث الشريف: (الشِّفاءُ في ثَلاثَةٍ: في شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ، أوْ كَيَّةٍ بنارٍ… ).
الحجامة، أو "التشريط"، هي طريقة تقليدية أخرى تُستخدم للتخلص من الدم الفاسد وتنقية الجسم، وتُستخدم خاصةً لعلاج الصداع وآلام الظهر ولتخفيف التوتر. وتُعدّ هذه الطريقة وسيلة فعالة لتقوية الدورة الدموية.
5. العلاج بالرقية والأدعية:
الرقية والأدعية جزء من العلاج الشعبي عند عشيرة عرب السّمنيّة، خاصةً لعلاج الأمراض الروحية أو النفسية، مثل الخوف والقلق وبعض الأمراض التي يصعب علاجها بالطرق التقليدية. تُستخدم الآيات القرآنية والأدعية التي تُقرأ على المريض لتهدئته وطرد الطاقة السلبية.
6. التجبير وعلاج الكسور والجروح:
لعلاج الكسور والجروح، يعتمد أفراد عشيرة عرب السّمنيّة على التجبير باستخدام الخشب وأقمشة قوية. ويقومون بتثبيت الكسر بطرق تقليدية، مثل تثبيت الكسر بأخشاب أو عِصي قوية وتثبيتها بقطع من القماش. كما يُستخدم الزعتر وزيت الزيتون على الجروح كمواد طبيعية مطهرة لتعقيم الجروح وتخفيف الالتهاب. يتمتع بعض أفراد العشيرة بخبرة كبيرة في تجبير الكسور، ويُعرفون في مجتمعهم بوصفهم معالجين موثوقين في هذا المجال، ومن أشهر المجبرين عند عشيرة عرب السّمنيّة كان لافي موسى كلّم أبو موسى، وولده موسى لافي كلّم أبو محمود الذي ورثها عن والده.
7. التدليك باستخدام زيت الزيتون:
يُعدّ التدليك باستخدام زيت الزيتون الدافئ أو زيوت أخرى ممزوجة بالأعشاب من أساليب العلاج الشعبي لعلاج آلام العضلات والتشنجات. ويتم تطبيق التدليك بحركات معينة لتخفيف الألم وتحسين الدورة الدموية.
8. شرب الأعشاب لعلاج أمراض المعدة والجهاز التنفسي:
يُستخدم شاي الأعشاب مثل الزعتر والنعناع والقرفة لتهدئة مشاكل الهضم والتخفيف من أعراض نزلات البرد. ويتم تحضيرها كمشروبات ساخنة وشربها عدة مرات خلال اليوم. ويُعتقد أنها تساعد في تهدئة المعدة وتعزز الشفاء.
9. التغذية كوسيلة للعلاج:
يعتبر سكان عرب السّمنيّة أن بعض الأطعمة لها دور في الوقاية من الأمراض وتعزيز الصحة العامة، مثل الثوم والبصل والعسل، ويستخدمونها بانتظام لتعزيز المناعة والوقاية من الأمراض.
10. تناقل المعرفة العلاجية بين أفراد العشيرة
تُعدّ المعرفة بالطب الشعبي تراثًا يتناقله أفراد العشيرة عبر الأجيال، حيث يتعلم الشباب من كبار السن في العائلة أساليب العلاج وتحضير الأعشاب وتطبيق تقنيات التجبير والتدليك.
يشكل الطب الشعبي عند عشيرة عرب السّمنيّة جزءًا من هويتهم الثقافية، ويعكس قدرتهم على التكيف مع الطبيعة المحيطة والاستفادة منها في علاج الأمراض، كما يرمز إلى ترابطهم العائلي، واحترامهم وحفاظهم على الموروثات التقليدية.
أضف تعليق
قواعد المشاركة