دانيال مانن: يرحلُ النورُ ويظلُّ الأثرُ!

منذ 3 أشهر   شارك:

محمود كلّم

كاتب فلسطيني


في عالمٍ مليءٍ بالصراعات وضجيج الحياة اليومية، تظهر شخصياتٌ تُضيء عتمة أيامنا، تمضي بصمتٍ لكنها تترك أثراً عميقاً لا يُنسى.
كان دانيال مانن (Daniel Magnin)، أو كما أحبّ الجميع مناداته بـ"أبو كهربا"، أحدَ هؤلاء النادرين الذين يُعيدون للإنسانية معناها الحقيقي، ويمنحون الحياة بُعدها النبيل.
كم هو مؤلمٌ أن نكتب عن صديقٍ غادرنا دون وداع، لكن الذكريات تأبى أن تموت، وتصرُّ على أن تروي الحكاية كلما أغمضنا أعيننا.

شاء الله أن نلتقي خلف أسوار مخيم شاتيلا، حيث كانت الظلال الداكنة للحياة اليومية تُثقل أرواحنا.
كان دانيال مختلفاً، بحضوره، بصمته، وبابتسامته التي لم تفارق وجهه رغم وعورة الدروب.
رجلٌ جاء من بلدٍ بعيدٍ ليعيش تفاصيل حياتنا، وليُقاتل بصمتٍ من أجل حقوقنا، ولكن كما جمعتنا الأقدار يوماً، فرّقتنا أيضاً، دون أن تمنحنا حتى فرصة الوداع.

لم يكن دانيال صديقاً فقط؛ بل كان أخاً ورفيقاً حقيقياً في المعاناة.
كان يفهم عذاباتنا دون كلمات، وكان ينظر إلى وجوه سكان المخيم ليقرأ فيها كم من الأحلام قُتلت وكم من الآمال لا تزال تُقاوم.
رفض العيش في فنادق بيروت الفاخرة، وفضّل المبيت في بيوت المخيم الضيقة، حيث تقاسم مع أهلها وجع الفقر وشقاء النزوح.

لم يكن دانيال يسعى وراء الأضواء، بل عمل في الظل متحدياً كل العقبات.
كان يرى في كل سلكٍ كهربائي يُضيء حارةً صغيرة، أو في كل مصباحٍ يبدد ظلام غرفةٍ، معنىً جديداً للحياة.
هذا الرجل الذي جاء من فرنسا لم يكن مجرد مهندس كهرباء؛ بل كان مهندساً للأمل.

كيف تستمر الحياة دون "أبو كهربا"؟
كيف يمكن أن نتقبّل فكرةَ أن إنساناً بهذه العظمة لم يعد بيننا؟
الحزن يعصف بقلوبنا كلما تذكرنا ابتسامته، شغفه بعمله، وحرصه الدائم على إحداث فرقٍ حقيقي في حياة اللاجئين الفلسطينيين.
كان يعرف معنى الغربة، لكنه لم يكن غريباً بيننا؛ بل كان واحداً منا، وربما أكثر صدقاً وإيماناً بقضيتنا من كثيرين.

إن غاب بجسده، فإن روحه ستظلّ حاضرةً في كل زاويةٍ من زوايا المخيمات التي أحبها.
في كل ضوءٍ يتوهج ليلاً، في كل طفلٍ يبتسم، وفي كل بيتٍ يستعيد جزءاً من كرامته، ستبقى بصماته.
كان صوتاً للعدل، ومقاتلاً من أجل الحرية. وفي غيابه، فقدت فلسطين صديقاً لا يُعوَّض، وإنساناً كان مثالاً للنبل والشجاعة.

وداعاً يا صديقي، ستظلُّ في قلوبنا دائماً، وستبقى ذكراك خالدةً ما بقيَ الزعترُ والزيتونُ.
وداعاً من بعيدٍ، يا من كنت نوراً في عتمة ليالينا، يا من كنت أباً وأخاً وصديقاً لكل من عرفك.
إن كانت الكلمات لا تُجدي في رثائك، فإن دموعنا وشريط ذكرياتنا سيحكيان عنك طويلاً.
نعاهدك أن نواصل الطريق، وأن نُكمل الحلم الذي ناضلت من أجله، حتى تشرق شمس الحرية من جديد.

المجد والخلود لك، أيها الصديق والأخ الحبيب، دانيال مانن

مقالات متعلّقة


أضف تعليق

قواعد المشاركة

 

تغريدة عارف حجاوي

twitter.com/aref_hijjawi/status/1144230309812215814 




تغريدة عبدالله الشايجي

twitter.com/docshayji/status/1140378429461807104




تغريدة آنيا الأفندي

twitter.com/Ania27El/status/1139814974052806657 




تغريدة إحسان الفقيه

twitter.com/EHSANFAKEEH/status/1116064323368046593




تغريدة ياسر الزعاترة

twitter.com/YZaatreh/status/1110080114400751616 




تغريدة إليسا

twitter.com/elissakh/status/1110110869982203905 





 

محمود كلّم

إبراهيم أبو خليل: عاشقُ الوطنِ الذي رَوَى الأرضَ بِدَمِهِ

في مخيم كفربدّا، وُلدَ إبراهيم خالد أبو خليل عام 1967. كان طفلاً مشاكساً، يركضُ بين البيوتِ الطينيّةِ، يطاردُ أحلامه كما يطاردُ ال… تتمة »


    ياسر علي

    مؤسسة "هوية".. نموذج فاعل في الحفاظ على الانتماء الفلسطيني

    ياسر علي

    جاء المشروع الوطني للحفاظ على جذور العائلة الفلسطينية-هوية في سياق اهتمام الشعب الفلسطيني وأبنائه ومؤسساته بالحفاظ على جذور ه وعاد… تتمة »


    معايدة رمضانية 

تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.

 رمضان كريم 
نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى.

كل عام وأنتم بخير 
    معايدة رمضانية  تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.  رمضان كريم  نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى. كل عام وأنتم بخير