طائرُ السُّنُونُو.. صوتُ الشَّرفِ الفلسطينيِّ في زمنِ العارِ والخذلانِ!

منذ 9 أشهر   شارك:

محمود كلّم

كاتب فلسطيني

في زمنٍ صار فيه التيهُ هويةً، والخنوعُ عهداً معقوداً، وقفَ طائرُ السنونو وحدَهُ على حافةِ الضوءِ، يُنقّبُ في رمادِ المعاركِ عن جراحِ غزة، ويصرخُ في صمتِ الجبالِ حين خانته الأصواتُ كلُّها. طائرُ السنونو ليس اسماً في معجمٍ عابرٍ، بل جناحٌ مبتورٌ حملَ الحقيقةَ يوم ضاقت بها الأرضُ، وهو ريحُ الجنوبِ الأخيرةُ قبل أن يبتلعَ العارُ ما تبقّى من شرفِ العربِ.

نحنُ يا سادةُ، لم نغمس أقلامَنا في حبرِ الخضوعِ، ولم نُلبِس الجبناءَ تيجانَ البطولةِ، نحنُ فقط كتبنا بالدمعِ والوجعِ عن طائرٍ حلقَ حيث انكفأت النسورُ، ووقفَ حيث سقطتِ العروشُ كورقِ الخريفِ اليابسِ.

هل صار الطهرُ تُهمة؟ وهل صار الشرفُ نشازاً في جوقةِ المطبّلين؟! كيف نُلام لأننا مدحنا من حمل فلسطين في يدٍ، وحمل السلاحَ في اليدِ الأخرى؟!

أنتمُ، يا أهلَ الذلِّ والتطبيعِ، هرولتم إلى السفاراتِ تمسحون وجوهَكم على عتباتِها، وتزفّون لأبوابِها مفاتيحَ أوطانِكم، ثم تسألوننا كيف كتبنا عن السنونو؟! هل تنبت الزهورُ في أنقاضِ الخيانةِ؟ وهل يُثمر الحنظلُ شهداً؟!

كتبنا حين كتبنا بوجعٍ يشبهُ وجعَ الأمهاتِ، ونطقنا حين نطقنا بالحقيقةِ الجريحةِ، وبكينا يوم بكينا على أطفالِ غزةَ الذين صاروا شهداءَ قبل أن يحفظوا أسماءَهم. ومع ذلك، جئتم تلعنوننا لأننا قلنا لطائرِ السنونو: شكراً لأنك بقيتَ حين هربَ الجميعُ، وشكراً لأنك صرختَ حين صمتتِ الأمةُ.

أيُّ عارٍ هذا؟! حكّامُكم يُحاصرون غزة، ويُبسطون السجادَ الأحمرَ أمام المحتلِّ، ويُغلقون المعابرَ في وجه الأحرارِ كأنهم لعنةٌ تمشي على قدمين. حكّامُكم، من تصفّقون لهم كلَّ مساء، هم أنفسُهم الذين جعلوا الإعلامَ خنجراً في قلبِ المقاومةِ.

أما نحن، فما قلنا إلا كلمةَ حقٍّ، وما سجدنا إلا للكرامةِ، وما جعلنا من أقلامِنا إلا خناجرَ في خاصرةِ العارِ. سيبقى طائرُ السنونو صوتَ الطهرِ في زمنِ العارِ، وستبقون أنتم نقطةً سوداءَ في كتابِ التاريخِ.

إنها فلسطين يا سادةُ، الجرحُ الذي لم يندمل، والصرخةُ التي ستبقى تقسمُ ظهورَ الخونةِ، حتى لو ألبستموها عباءةَ النسيانِ.

نحنُ الذين بكيناها في الليلِ الطويلِ، وكتبناها بدمِنا عند الفجرِ، وسنبقى نكتب اسمها، حتى لو وصلنا إلى تخومِ الفناءِ.

فلسطين ليست حكايةً تنتهي مع نشرةِ الأخبارِ، وليست صورةً باهتةً على جدارِ النسيانِ، فلسطين جرحٌ لا يلتئمُ مهما أُغلقت عليه الأبوابُ، وصوتٌ لا يخفتُ مهما تعالت فوقه ضوضاءُ التطبيعِ والخيانةِ. نحن الذين خسرنا النومَ لنكتب اسمها على جدرانِ الوقتِ، ونحن الذين حملناها بين ضلوعِنا حتى صارت نبضاً في الوريدِ، وسنبقى نحملُها وحدنا إن لزم الأمرُ، كما يحمل الأيتامُ أسماءَ آبائهم الغائبين.

سنمضي نحو المجهولِ وأيدينا على قلوبِنا، نكتبُها بدموعِنا ودمِنا، وحين يسقط آخرُ المرابطينَ برصاصِ الخيانةِ، سنعرف أنَّ طائرَ السنونو، رغم جراحِه، كان آخرَ صوتٍ نظيفٍ في سماءٍ أكلتها الغربانُ.


مقالات متعلّقة


أضف تعليق

قواعد المشاركة

 

تغريدة عارف حجاوي

twitter.com/aref_hijjawi/status/1144230309812215814 




تغريدة عبدالله الشايجي

twitter.com/docshayji/status/1140378429461807104




تغريدة آنيا الأفندي

twitter.com/Ania27El/status/1139814974052806657 




تغريدة إحسان الفقيه

twitter.com/EHSANFAKEEH/status/1116064323368046593




تغريدة ياسر الزعاترة

twitter.com/YZaatreh/status/1110080114400751616 




تغريدة إليسا

twitter.com/elissakh/status/1110110869982203905 





 

محمود كلّم

ترابُ فلسطين لا يحتضنُ الخونة!

"حين تخون الوطن، لن تجد تراباً يحنّ عليك يوم موتك؛ ستشعر بالبرد حتى وأنت ميت." غسان كنفاني. في فلسطين، لا تُقال هذه الجملة ع… تتمة »


    ابراهيم العلي

    في ظلال يوم الأرض الفلسطينون : متجذرون ولانقبل التفريط

    ابراهيم العلي

     يعد انتزاع الاراضي من أصحابها الأصليين الفلسطينيين والإستيلاء عليها أحد أهم مرتكزات المشروع الصهيوني الاحلالي ، فالأيدلوجية الصهي… تتمة »


    تتقدم مؤسسة العودة الفلسطينية من عمال فلسطين بأطيب الأمنيات وأجلّ التحيات لما يقدمونه من جهد وعمل وتضحية..
صامدون - عاملون - عائدون
    تتقدم مؤسسة العودة الفلسطينية من عمال فلسطين بأطيب الأمنيات وأجلّ التحيات لما يقدمونه من جهد وعمل وتضحية.. صامدون - عاملون - عائدون