غزة تصرخ… والعرب والمسلمون يغرقون في صمت العار!

منذ 5 أيام   شارك:

محمود كلّم

كاتب فلسطيني

في تصريح لافت حمل غضب الشارع العالمي وضمائر الشعوب، قالت وزيرة أيرلندا الشمالية:

«نطالب بإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، ونطالب بوقف الإبادة الجماعية والاحتلال ونظام الفصل العنصري. كما نطالب بتطبيق القانون الدولي وإنهاء إفلات الاحتلال من العقاب… وقبل كل شيء، فإن الناس في شوارع لندن، كما في كل أنحاء العالم، يصرخون في وجه قادتهم مطالبين بوقف معاناة الفلسطينيين».

 

هكذا تتحدث وزيرة من أقاصي أوروبا، بينما ترتج شوارع لندن بهتافٍ لشعب محاصر على بُعد آلاف الكيلومترات. لكن السؤال الأكثر إيلاماً هو: أين العواصم العربية؟

أين الضجيج الذي كنا نظنّه سيهزّ جدران العالم؟

أين الغضب الذي توقعنا أنه سيشقّ سماء المنطقة من المحيط إلى الخليج؟

أين تلك الأنظمة التي لطالما ملأت نشرات الأخبار بشعارات الدفاع عن فلسطين وحقوق الفلسطينيين؟

 

في الوقت الذي تتصاعد فيه أصوات أوروبا وأمريكا اللاتينية وجنوب أفريقيا والشارع العالمي، تبدو كثير من العواصم العربية وكأنها غارقة في سباتٍ يشبه سبات أهل الكهف… لكنه سبات بلا براءة، بلا مبرّر، وبلا أفقٍ للصحوة.

 

ليست المشكلة في غياب الإرادة فقط، بل في غياب الوجدان،

في غياب تلك الرعشة الطبيعية التي يجب أن تصيب أي إنسان حين يرى طفلاً يُسحب من تحت الأنقاض، أو أمّاً تبحث بين الركام عن بقايا بيتها.

المأساة ليست في عجز الأنظمة، بل في أن العجز أصبح عادياً… وأصبح الصمت سياسة… وأصبح التجاهل جزءاً من اليومية الرسمية.

 

المفارقة المؤلمة أن أصوات التضامن الكبرى لم تعد تأتي من العالم العربي.

إنها تأتي من دبلن، ولندن، وكيب تاون، وسانتياغو.

تأتي من جامعات أمريكا، ومن نقابات أوروبا، ومن شعوبٍ لم تربطها بفلسطين لغة ولا دم ولا جغرافيا.

 

أما في العالم العربي، فغالباً ما يكتفي التفاعل الرسمي ببيانات مقتضبة، مترددة، باهتة…

بيانات لا تملك حرارة الشارع، ولا صدق الألم، ولا جرأة الحقيقة.

 

وكأن العواصم العربية نسيت أن غزة ليست على خريطة بعيدة، بل على بوابةٍ من بوابات القلب.

وكأن الضفة الغربية لم تعد جزءاً من الوعي الجمعي، بل فقرة ثانوية في نشرة الأخبار.

 

الحزن اليوم ليس مجرد شعور… بل موقف.

أن تحزن على فلسطين يعني أنك ما زلت تمتلك شيئاً من إنسانيتك.

أما الصمت، فصار هو المشكلة الكبرى:

ًصمتٌ يساوي قبولا،

وصمتٌ يساوي تواطؤاً، وصمتٌ يساوي بكل مرارة سقوطاً أخلاقياً لا يمكن إصلاحه.

 

العالم يتحدث عن الإبادة…

وعن الفصل العنصري…

وعن القانون الدولي…

بينما تتحدث كثير من العواصم العربية عن «الظروف الدقيقة» و«الحساسيات السياسية» و«مسارات التقييم»، وكأن دماء الأطفال تحتاج إلى دراسات جدوى.

 

الحرب على غزة كشفت شيئاً أكبر من جريمة عسكرية؛

كشفت جريمة الصمت،

وجريمة غياب الموقف،

وجريمة أن يصبح الألم مجرد خبر عابر لا يوقظ عهداً ولا يحرك ذاكرة.

 

والأشد حزناً أن الشعوب العربية بكل ما فيها من نقاء واندفاع تُترك بلا قيادة في لحظة تحتاج فيها القيادة أكثر من أي وقت مضى.

في لحظةٍ يصرخ فيها العالم، تقف العواصم العربية كأن الزمن لا يعنيها، وكأن فلسطين لم تكن يوماً قضية وجود، بل مجرد ورقة سياسية تُستخدم حين تشاء، وتُهمَل حين تشاء.

 

قالت الوزيرة: «الناس في شوارع لندن يصرخون في وجه قادتهم»…

أمّا نحن، فنبقى محاصرين بين غضب الشعوب وصمت العواصم.

 

لكنّ التاريخ لا يرحم.

فالأوطان التي تصمت أمام المظلومين تفقد حقّها في ادّعاء الشرف،

والعواصم التي تتجاهل أشلاء غزّة لن تستطيع غسل يديها مهما بدّلت بياناتها أو رفعت شعاراتها.

 

فلسطين اليوم لا تنتظر معونات، ولا مؤتمرات، ولا كاميرات.

فلسطين تنتظر صحوة.

صحوة من صمتٍ طال…

وصحوة من سباتٍ لم يعد يشبه نوم أهل الكهف،

بل نوم أمة أضاعت بوصلتها.

 

محمود كلّم، كاتبٌ وباحثٌ فلسطينيّ، يكتب في الشأنين السياسيّ والوجدانيّ، ويُعنى بقضايا الانتماء والهويّة الفلسطينيّة. يرى في الكلمة امتداداً للصوت الحرّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النضال.


مقالات متعلّقة


أضف تعليق

قواعد المشاركة

 

تغريدة عارف حجاوي

twitter.com/aref_hijjawi/status/1144230309812215814 




تغريدة عبدالله الشايجي

twitter.com/docshayji/status/1140378429461807104




تغريدة آنيا الأفندي

twitter.com/Ania27El/status/1139814974052806657 




تغريدة إحسان الفقيه

twitter.com/EHSANFAKEEH/status/1116064323368046593




تغريدة ياسر الزعاترة

twitter.com/YZaatreh/status/1110080114400751616 




تغريدة إليسا

twitter.com/elissakh/status/1110110869982203905 





 

محمود كلّم

ترابُ فلسطين لا يحتضنُ الخونة!

"حين تخون الوطن، لن تجد تراباً يحنّ عليك يوم موتك؛ ستشعر بالبرد حتى وأنت ميت." غسان كنفاني. في فلسطين، لا تُقال هذه الجملة ع… تتمة »


    ابراهيم العلي

    في ظلال يوم الأرض الفلسطينون : متجذرون ولانقبل التفريط

    ابراهيم العلي

     يعد انتزاع الاراضي من أصحابها الأصليين الفلسطينيين والإستيلاء عليها أحد أهم مرتكزات المشروع الصهيوني الاحلالي ، فالأيدلوجية الصهي… تتمة »


    تتقدم مؤسسة العودة الفلسطينية من عمال فلسطين بأطيب الأمنيات وأجلّ التحيات لما يقدمونه من جهد وعمل وتضحية..
صامدون - عاملون - عائدون
    تتقدم مؤسسة العودة الفلسطينية من عمال فلسطين بأطيب الأمنيات وأجلّ التحيات لما يقدمونه من جهد وعمل وتضحية.. صامدون - عاملون - عائدون