نوح الفلسطيني: بين طوفانِ الخذلانِ وسفينةِ الصُّمودِ

منذ 8 أشهر   شارك:

محمود كلّم

كاتب فلسطيني

في أرضٍ غارقةٍ بالدموع، يقف نوح الفلسطيني وحيداً، يصنع سفينته بصبرٍ من ألمه، بمساميرَ من جراحه، وألواحٍ من بيوتٍ هدمها القصف. يرفع رأسه إلى السماء، فيرى المطر ينهمر دماً، والماء لا يحمل نجاةً، بل غرقاً. يلتفت حوله، فلا يرى إلا قوماً سخروا منه، كما سخر قوم نوح الأول. قالوا له:

"إلى متى تصنع سفينتك في صحراء الخذلان؟ من سيحملك وأنت محاصر؟ من سينقذك والموانئ مغلقة، والبحار مملوءة بالغرباء؟"

يرفع نوح الفلسطيني يديه إلى الله، ينادي أمةً كانت يوماً عظيمة، يسألها:

"أين أنتم يا أبناء المروءة؟ هل ضاقت بكم الأرض، أم ضاقت صدوركم عن نصرتي؟ هل جفّت عيونكم عن دمعي، أم قست قلوبكم عن وجعي؟ هل غرقتم في دنياكم حتى نسيتم أننا شعبٌ ينتظر سفينته في بحرٍ لم يهدأ منذ النكبة؟"

يرى الشعوب تتفرج من خلف الشاشات، ترفع شعارات، تكتب بيانات، تعقد مؤتمرات، لكنها لا تمد يدها لركوب السفينة، ولا تحمل زاداً أو مدداً، بل تكتفي بنظرات الشفقة وكلمات المواساة، التي لا توقف نزيفاً، ولا تبني جداراً، ولا تدفع ظلماً.

نوح الفلسطيني ليس نبيّاً، لكنه يحمل نبوءة الطوفان.

إن لم تتحرك الأمة اليوم، إن لم تسارع إلى السفينة قبل أن يفيض التنور بدماء الأبرياء، ستغرق كما غرق المتخاذلون من قبل، وستبكون كما بكى ابن نوح حين وجد نفسه وحيداً، على جبل الخذلان، لا جبل النجاة.

يا شعوب الأمة، يا من ورثتم رسالة العدل والكرامة، أما آن لكم أن تستفيقوا قبل أن تغرقوا في طوفان العار؟ نوح الفلسطيني لا يزال يصنع سفينته وسط صحراء الخذلان، لا يطلب معجزة، بل وقفة حق. لا ينتظر الغرقى ليواسوه، بل ينتظر الأحياء لينصروه.

إن التاريخ لا يرحم المتخاذلين، والماء لا يفرّق بين ظالم وساكت عن الظلم. فإما أن تكونوا مع نوح في سفينته، أو تكونوا مع الغرقى حين يأتي الطوفان.

لكن السفينة تُبحر بلا مجداف، والريح تعصف بها من كل اتجاه، فيما يقف نوح الفلسطيني على سطحها، لا يرى في الأفق ميناءً يحتضنه، ولا نجمة تهديه إلى برّ الأمان.

يصرخ بأعلى صوته، لكن صوته يضيع بين أمواج الصمت، وبين جدرانٍ أُقيمت لا لردع العدو، بل لعزل الحقيقة عن عيونٍ أغمضتها الطمأنينة، وقلوبٍ سكنت إلى الخذلان.

وحين يفيض الطوفان، لن تبقى سوى ذكراه، ستتلاشى صرخته مع هدير الماء، وستحكي الرمال عن رجلٍ صنع سفينةً في صحراء، وانتظر أمةً لم تأتِ، حتى ابتلعه البحر… وحيداً، كما بدأ.



أضف تعليق

قواعد المشاركة

 

تغريدة عارف حجاوي

twitter.com/aref_hijjawi/status/1144230309812215814 




تغريدة عبدالله الشايجي

twitter.com/docshayji/status/1140378429461807104




تغريدة آنيا الأفندي

twitter.com/Ania27El/status/1139814974052806657 




تغريدة إحسان الفقيه

twitter.com/EHSANFAKEEH/status/1116064323368046593




تغريدة ياسر الزعاترة

twitter.com/YZaatreh/status/1110080114400751616 




تغريدة إليسا

twitter.com/elissakh/status/1110110869982203905 





 

محمود كلّم

ترابُ فلسطين لا يحتضنُ الخونة!

"حين تخون الوطن، لن تجد تراباً يحنّ عليك يوم موتك؛ ستشعر بالبرد حتى وأنت ميت." غسان كنفاني. في فلسطين، لا تُقال هذه الجملة ع… تتمة »


    ابراهيم العلي

    في ظلال يوم الأرض الفلسطينون : متجذرون ولانقبل التفريط

    ابراهيم العلي

     يعد انتزاع الاراضي من أصحابها الأصليين الفلسطينيين والإستيلاء عليها أحد أهم مرتكزات المشروع الصهيوني الاحلالي ، فالأيدلوجية الصهي… تتمة »


    تتقدم مؤسسة العودة الفلسطينية من عمال فلسطين بأطيب الأمنيات وأجلّ التحيات لما يقدمونه من جهد وعمل وتضحية..
صامدون - عاملون - عائدون
    تتقدم مؤسسة العودة الفلسطينية من عمال فلسطين بأطيب الأمنيات وأجلّ التحيات لما يقدمونه من جهد وعمل وتضحية.. صامدون - عاملون - عائدون