باسل الأعرج: الحاضر الذي لا يغيب!

منذ 3 أيام   شارك:

محمود كلّم

كاتب فلسطيني

"حينما أموت فتّشوا جسدي قبل أن ترفعوني على الأكتاف، فإن كانت الرّصاصات قد جاءتني من الخلف، اتركوني أرضاً واذهبوا، وإن كانت الرّصاصات قد نخرت جسمي من الأمام فارفعوني عالياً.." الشهيد باسل الأعرج

 

في وداع الشهداء تُختبَر اللغة، وتنكشف هشاشتها أمام حقيقة الغياب. ومع ذلك نحاول، لأن الكتابة وحدها ما تبقّى لنمسك بطرف الحكاية… حكاية الشهيد باسل الأعرج، الذي علّمنا أن اتجاه الرصاصة قد يكون أصدق من كثير من الخطب، وأن الجبهة الحقيقية ليست أمام العدو فقط، بل داخل الإنسان حين يقرّر أن يكون حرّاً بالكامل.

 

لم تكن وصيّة باسل مجرد كلمات، بل مِرآة لما عاشه. لم يسعَ إلى البطولة، بل إلى الحقيقة: أن يقف الإنسان ثابتاً في مواجهة القمع، وأن يحافظ على اتّساقه من أوّل خطوة إلى آخر نبض. لهذا قال ما قاله؛ فالمواقف لا تُعلَن بعد الموت، بل تُختَم به.

 

كان باسل مثقّفاً يقف في الميدان، لا في الظل. كتب عن "المثقف المشاغب" فصار هو تجسيده الحيّ. عاش كما كتب، وكتب كما قاتل؛ بلا ادّعاء، بلا تردّد، وبإيمان كامل بأن المقاومة تبدأ من الوعي وتمتد إلى الفعل.

 

وما بين قوله "اتركوني أرضاً" و"ارفعوني عالياً" مساحة واسعة من المعنى. إنها ليست وصيّة موت، بل معيار حياة؛ مقياسٌ لكرامة المرء واتجاه خطوته. فقد كان يؤمن بأن الدم لا تُقاس قيمته بما يسقط منه، بل بالاتجاه الذي سال لأجله.

 

ولهذا لم يكن باسل الأعرج حالة نادرة في التاريخ الفلسطيني المعاصر لمثقف يدفع حياته ثمناً لمبادئه، لكنه كان من القلائل الذين قدّموا نموذجاً يُحتذى في ربط النظرية بالتطبيق؛ حين امتشق بندقيته واشتبك مع المحتل حتى آخر رصاصة، مُتمّماً ما كتبه فعلاً، وما عاشه موقفاً.

 

وحين رحل، لم يغادر تماماً. ترك أثراً يشبه بصمة على الذاكرة الفلسطينية والعربية. صار سؤالاً مفتوحاً:

هل نملك الجرأة أن نقف كما وقف؟

هل نستطيع أن نمشي نحو الحقيقة كما مشى، من دون أن ننحرف أو نتراجع؟

 

نكتب عنه اليوم لا لنرثيه، بل لنواصل حواره معنا. فالشهداء كما كان يقول يتركون شرارة في القلب، تضيء السؤال الأكبر:

كيف نكون جديرين بمن اختاروا أن يمضوا من الأمام؟

 

سلامٌ لروح باسل،

ولتلك الرصاصات التي اخترقت الجبهة لا الظهر، لتقول للعالم إن الحرية تُقاتَل بوجه مكشوف.

 

محمود كلّم، كاتبٌ وباحثٌ فلسطينيّ، يكتب في الشأنين السياسيّ والوجدانيّ، ويُعنى بقضايا الانتماء والهويّة الفلسطينيّة. يرى في الكلمة امتداداً للصوت الحرّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النضال.


مقالات متعلّقة


أضف تعليق

قواعد المشاركة

 

تغريدة عارف حجاوي

twitter.com/aref_hijjawi/status/1144230309812215814 




تغريدة عبدالله الشايجي

twitter.com/docshayji/status/1140378429461807104




تغريدة آنيا الأفندي

twitter.com/Ania27El/status/1139814974052806657 




تغريدة إحسان الفقيه

twitter.com/EHSANFAKEEH/status/1116064323368046593




تغريدة ياسر الزعاترة

twitter.com/YZaatreh/status/1110080114400751616 




تغريدة إليسا

twitter.com/elissakh/status/1110110869982203905 





 

محمود كلّم

ترابُ فلسطين لا يحتضنُ الخونة!

"حين تخون الوطن، لن تجد تراباً يحنّ عليك يوم موتك؛ ستشعر بالبرد حتى وأنت ميت." غسان كنفاني. في فلسطين، لا تُقال هذه الجملة ع… تتمة »


    ابراهيم العلي

    في ظلال يوم الأرض الفلسطينون : متجذرون ولانقبل التفريط

    ابراهيم العلي

     يعد انتزاع الاراضي من أصحابها الأصليين الفلسطينيين والإستيلاء عليها أحد أهم مرتكزات المشروع الصهيوني الاحلالي ، فالأيدلوجية الصهي… تتمة »


    تتقدم مؤسسة العودة الفلسطينية من عمال فلسطين بأطيب الأمنيات وأجلّ التحيات لما يقدمونه من جهد وعمل وتضحية..
صامدون - عاملون - عائدون
    تتقدم مؤسسة العودة الفلسطينية من عمال فلسطين بأطيب الأمنيات وأجلّ التحيات لما يقدمونه من جهد وعمل وتضحية.. صامدون - عاملون - عائدون