من جنين إلى الأمتين العربية والإسلامية… فصلٌ جديدٌ من النذالة!
محمود كلّم
كاتب فلسطينيفي جنين، المدينة التي اعتادت أن تُمسكَ قلبها بيديها كلما دوّى الرصاص، سقط شابّان فلسطينيّان برصاص وحدة المستعربين في حرس الحدود، سقوطاً بدمٍ بارد. ولم يكد مشهد الدم يجفّ، ولم يكد صدى صراخ الأمهات يخفت، حتى جاء الخبر الذي زاد الجرح اتساعًا: وزير الأمن القومي للاحتلال يقرر ترقية قائد الوحدة نفسها إلى رتبة عقيد.
هكذا بكل بساطة، تتحوّل المأساة إلى مكافأة، ويتحوّل الألم إلى شهادة تقدير، ويغدو القتل "إنجازاً" يُرفع صاحبه بسببه درجةً أعلى.
إنه زمن العربدة…
زمن تُكافأ فيه الأيدي التي تضغط الزناد، وتُحطم فيه كل المعايير الإنسانية حتى تتهاوى.
لكن الأكثر قسوةً من تفاصيل الحادثة نفسها هو شعور الفلسطيني اليوم بأنه وحيد في مواجهة عالم بلا رحمة ولا قلب، وأن ما تبقّى من "الأمتين العربية والإسلامية" بات عاجزاً حتى عن إصدار صرخة تُسمع، أو غضب يُقلق نوم أحد.
نحن فعلاً في زمن النذالة…
زمن تُدفن فيه القيم مع أصحابها، وتُغتال فيه الحقيقة كل يوم، بينما تتفرّج الخرائط على نفسها وهي تتمزّق.
في جنين لم تُقتل فقط روحان فلسطينيتان، بل قُتِل معنى العدالة مرةً أخرى.
وفي عواصم كثيرة، لم يُسمع سوى صمتٍ ثقيل، صمتٌ لا يليق بأمةٍ قيل يوماً إنها "لا تُقهَر"، وإن جراحها تُلهب ضمائر العالم.
وحده الفلسطيني ما يزال يُصرّ على أن يحيا رغم كل شيء، وأن يكتب بألمه ما لا تجرؤ شعوب كثيرة على كتابته.
وحدها الأم الفلسطينية ما تزال تُرسل أبناءها إلى الشوارع وهي تعرف أن الأفق مسدود، لكنها تهمس لهم:
"ابقوا واقفين… فليس لنا خيار آخر."
نعم… نحن في زمن العربدة.
لكن التاريخ الطويل لهذه الأرض يقول إن العربدة لا تدوم، وإن النذالة لا تصنع انتصاراً، وإن صمت الأمة اليوم ليس نهاية الحكاية… بل فصلها الأكثر مرارة.
محمود كلّم، كاتبٌ وباحثٌ فلسطينيّ، يكتب في الشأنين السياسيّ والوجدانيّ، ويُعنى بقضايا الانتماء والهويّة الفلسطينيّة. يرى في الكلمة امتداداً للصوت الحرّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النضال.



أضف تعليق
قواعد المشاركة