خليل الوزير (أبو جهاد)… رَجُلٌ مِن زمنٍ لم يَبلُغ رام الله.

منذ 8 أشهر   شارك:

محمود كلّم

كاتب فلسطيني

في نيسانٍ من هذا الزمن الثقيل،

يمرُّ طيفُ خليل الوزير من بين الأزقّة التي باعها الحُرّاسُ للسّمسار،

ويمرُّ كما تمرُّ الحكاياتُ في مخيمٍ جفّت فيه الذاكرةُ من شدّة القهر…

يمرُّ ولا أحد في رام الله يُنصت،

ولا أحد يُعيد ترتيب الكرامة.

في بيتٍ أبيض على شاطئ سيدي بوسعيد، أُطفِئت روحٌ كانت تُشعل الأرض نوراً.

خليل الوزير، الرجل الذي لم يترك حجراً دون أن يسأله: “هل مرّت من هنا رصاصة فلسطينية؟”،

الرجل الذي قرأ التاريخ في عيون الفقراء، وكتب للثورة نشيدها الأول من زنازين العتمة…

خليل لم يُقتل فقط،

بل اغتيل مراراً بعد موته…

اغتيل حين صافحت الأيدي ذاتها التي قتلته،

واغتيل حين أُخضعت الضفة، التي أحبها، لبنادق الأمن الوقائي.

اغتيل حين صار المستوطن يمشي على الأرض التي سقاها "أبو جهاد" بعرقه،

وصار المقاوِم يُطارد، لا من عدوّه، بل من "سلطةِ وطنه".

هل كان يعلم حين قال: "الثورة ليست شعاراً، بل روحٌ لا تموت"،

أن من سيحكم غداً سيحوّلها إلى وظيفة؟

أن من كانوا بالأمس يتعلمون الهتاف في مهرجانات فتح، سيُغلقون اليوم بوابات الجامعة في وجه العلم،

وسيتحالفون مع جلّادنا باسم "التنسيق الأمني المُقدّس"؟

هل خطر له، ولو لوهلة، أن "رام الله"،

ستُغلق أبوابها في وجه جنين؟

وأن الأجهزة التي حملت اسم "أمننا الوطني"،

ستُشهر سلاحها في وجه الصبي الذي رفع راية القدس؟

أبو جهاد،

يا من مات واقفاً على شرفة الحلم،

ماذا تقول الآن لرفاقك تحت التراب؟

هل تخبرهم أن بعضاً من شعبنا صار يعتاد العيش في أقفاص الخيبة؟

هل تبوح لهم أنَّ "أوسلو" سرقت من الثورة قلبها،

وأنَّ الفصائل التي قاتلت معك، تنقسم اليوم في الفضائيات،

وتتوزع ولاءها على عواصم لا تعرف فلسطين إلا في خطابات الزيف؟

يا شهيدنا النقي،

ليتك ترى غزة التي ما تزال تُكمل المسير…

تُرَقّع أحلامها تحت الركام،

وتُربّي جيلاً لا يُشبه هذا القهر في شيء.

ليتك ترى وجوه الصغار في المخيم،

وهم يرسمون ملامحك على الجدران،

ويكتبون: "خليل لم يمت، بل أنجبنا".

في حضرة غيابك، يا أبا جهاد،

لا شيء يُشبهك…

ولا شيء يشبه هذه الأيام.

فالسلاح صار مرهوناً،

والقرار بيد من نسوا أن الثورة لا تُدار بمكاتب مُكيّفة.

وغزة تُحاصر من البرّ والبحر…

ورام الله تُحاصِر نفسها، خشية أن تصحو الضفة على وجعها الحقيقي.

نم قرير العين يا أبا جهاد،

فما زال فينا من يشبهك،

وما زالت الحجارة تعرف أسماءنا،

وما زال في الجرح متّسعٌ لصوتٍ يشبهك،

يعيد ترتيب الحكاية… من أولِ طلقة،

لا من أولِ خيبة.

[محمود كلّم] كاتب فلسطيني يكتُبُ في الشَّأنينِ السِّياسيِّ والوجدانيِّ، وَيُعنَى بقضايا الانتماءِ والهُويَّةِ الفلسطينيَّةِ. يرى في الكلمةِ امتداداً للصَّوتِ الحُرِّ، وفي المقالِ ساحةً من ساحاتِ النِّضالِ.

المصادر المعتمدة: شهاداتٌ تاريخيّة، تقاريرٌ حقوقيّة، وكتبٌ موثَّقةٌ عن خليل الوزير ومسار الثورة الفلسطينيّة.


مقالات متعلّقة


أضف تعليق

قواعد المشاركة

 

تغريدة عارف حجاوي

twitter.com/aref_hijjawi/status/1144230309812215814 




تغريدة عبدالله الشايجي

twitter.com/docshayji/status/1140378429461807104




تغريدة آنيا الأفندي

twitter.com/Ania27El/status/1139814974052806657 




تغريدة إحسان الفقيه

twitter.com/EHSANFAKEEH/status/1116064323368046593




تغريدة ياسر الزعاترة

twitter.com/YZaatreh/status/1110080114400751616 




تغريدة إليسا

twitter.com/elissakh/status/1110110869982203905 





 

محمود كلّم

منتخب فلسطين… كرةٌ تركل الظلام وتنهض من تحت الركام

كلّ التحية لمنتخب فلسطين، ذاك الفريق الذي دخل ملاعب الدوحة لا بوصفه منتخباً لكرة القدم فحسب، بل بصفته صوتاً لشعبٍ كاملٍ يرزح تحت ا… تتمة »


    ابراهيم العلي

    في ظلال يوم الأرض الفلسطينون : متجذرون ولانقبل التفريط

    ابراهيم العلي

     يعد انتزاع الاراضي من أصحابها الأصليين الفلسطينيين والإستيلاء عليها أحد أهم مرتكزات المشروع الصهيوني الاحلالي ، فالأيدلوجية الصهي… تتمة »


    تتقدم مؤسسة العودة الفلسطينية من عمال فلسطين بأطيب الأمنيات وأجلّ التحيات لما يقدمونه من جهد وعمل وتضحية..
صامدون - عاملون - عائدون
    تتقدم مؤسسة العودة الفلسطينية من عمال فلسطين بأطيب الأمنيات وأجلّ التحيات لما يقدمونه من جهد وعمل وتضحية.. صامدون - عاملون - عائدون