خطة مكافحة “معاداة السامية” في الدنمارك.. تشديد تشريعي يضيّق على حرية التعبير ويغفل الحقيقة الأوسع
ياسر علي
إعلامي وشاعر فلسطينيأعلنت الحكومة الدنماركية قبل مدة عن إطلاق خطة وطنية شاملة لمكافحة ما تسميه “ازدياد معاداة السامية”، مستندة إلى تقرير أصدرته منظمة “المجتمع اليهودي في الدنمارك” التي ادّعت وجود ارتفاع في الحوادث والتعبيرات “المعادية” منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023.
وقد حظيت هذه الخطة بإجماع جميع الأحزاب السياسية في البلاد، لتشكّل أحد أكثر التحركات التشريعية تشدّداً في أوروبا خلال العامين الأخيرين.
تتضمّن الخطة إجراءات واسعة النطاق، أبرزها: فرض عقوبات جديدة على ما يُعرَّف بأنه خطاب معادٍ لليهود، وتوسيع صلاحيات الشرطة والقضاء لمراقبة المحتوى الرقمي وملاحقة الأفراد على منصّات الإنترنت. وقد امتدّ التشديد إلى حد اعتبار عبارات مثل “الحرية لفلسطين” ضمن العبارات غير المقبولة أو “القابلة للتأويل كتحريض”، في سابقة تُظهر انحرافاً خطيراً عن مبادئ حرية التعبير التي تتبناها الدنمارك.
ولم يقتصر الأمر على الفضاء العام، بل أرسلت السلطات الدنماركية توجيهات مباشرة إلى المدارس تطالب الإدارات بتنبيه الطلاب إلى القوانين الجديدة، وتعريفهم بأن أي تعبير قد يُفسَّر كـ“معادٍ للسامية” يمكن أن يعرّضهم للمساءلة.
هذا المناخ الرقابي يمتدّ كذلك إلى النشاط الطلابي السنوي المعروف باسم “انتخابات المدارس”، وهو برنامج تربوي يهدف إلى تدريب الطلاب على العملية الديمقراطية وحرية النقاش. ومع ذلك، ورغم جوهره الذي يفترض الانفتاح على جميع القضايا، فُرض حظر كامل على طرح موضوع غزة أو النقاش حول الحرب والإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين.
هذا التناقض الصارخ يثير تساؤلات عميقة حول مصداقية الدنمارك وموقفها الأخلاقي. فبينما تسارع الحكومة إلى تشديد القوانين تحت عنوان “حماية الأقليات”، تغضّ الطرف عن واحدة من أبشع الجرائم المعاصرة: الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في غزة، حيث يُقتل المدنيون وتُدمَّر المستشفيات والمدارس ويُحاصَر أكثر من مليوني إنسان. ومع ذلك، لا يُسمح للطلاب أو المواطنين حتى بمجرّد التعبير عن التضامن الإنساني أو المطالبة بالعدالة.
إن الخلط المتعمّد بين الانتقاد السياسي لإسرائيل و“معاداة السامية” لا يهدّد فقط حرية التعبير، بل يشكّل اعتداءً مباشراً على الحق في التضامن مع الضحايا وعلى الدور الأخلاقي للمجتمعات الديمقراطية. فمحاولة إسكات شعار بسيط مثل “الحرية لفلسطين”، في وقت تُرتكب فيه مجازر جماعية موثّقة، تكشف عن انحياز سياسي واضح ورغبة في حماية الرواية الإسرائيلية على حساب الحقيقة والعدالة.
فالواجب الأخلاقي للديمقراطيات ليس قمع الأصوات، بل حماية حرية التعبير، ورفض الإبادة، والوقوف إلى جانب حقوق الإنسان، لا أن تتحوّل القوانين إلى أدوات لشرعنة الصمت وتكميم الأفواه.



أضف تعليق
قواعد المشاركة