غزة… عنوان الصبر وشمس الكرامة
محمود كلّم
كاتب فلسطينيفي زمنٍ تتكاثر فيه الجراح وتتناسل الآهات، تبقى غزة شامخةً كجبلٍ عصيٍّ على الانكسار، تتحدّى الموت بالحياة، والحصار بالكرامة، والظلام بالأمل. لم تكن غزة يوماً رقعةً جغرافيةً صغيرةً على الخريطة، بل كانت رمزاً للعزة والصمود، ورايةً مرفوعةً في وجه الطغيان، مهما اشتدت العواصف واشتعلت النيران.
على مدى شهورٍ طويلةٍ من العدوان، واجه أهل غزة آلةَ حربٍ لا تعرف الرحمة، ووقفوا أمامها بصدورٍ عاريةٍ وإيمانٍ راسخٍ، يوقنون أن الدم لا يُهزم، وأن من يملك الإرادة يملك النصر ولو بعد حين. لقد قدّموا أبناءهم قرابينَ حريةٍ، وسقوا ترابهم الطاهر بدماء الشهداء، ولم يبدّلوا تبديلاً.
ورغم الخراب الذي طال البيوتَ والمساجدَ والمدارسَ، ورغم الألم الذي نال من كل بيتٍ وشارعٍ وزاويةٍ، فإن الغزيّين أثبتوا أن الشعوب التي تؤمن بعدالة قضيتها لا تنكسر. لقد انتصروا بالنَّفَس الطويل، بصبرهم على الجوع، وثباتهم تحت النار، وإصرارهم على البقاء في أرضهم، لا يغادرونها إلا إلى السماء.
لقد أراد العدو تهجيرهم فثبتوا، وأراد أن يكسر إرادتهم فازدادوا صلابة، وأراد أن يُطفئ صوتهم فصار صدى صمودهم يملأ الدنيا. غزة لم تُهزم، بل صنعت من الألم انتصاراً، ومن الرماد حياةً. وما النصر إلا ثمرةُ الإيمان واليقين، والدموع التي لم تجفّ إلا لتغسل وجع الوطن.
هنيئاً لأبطال غزة بما صبروا ورابطوا، وهنيئاً لهم لأنهم حملوا راية الأمة وذادوا عن كرامتها، فصاروا لسانها الناطق وضميرها الحيّ. سيذكرهم التاريخ طويلاً بأنهم واجهوا الموت بشجاعةٍ نادرةٍ، وانتصروا على الاحتلال بإرادةٍ لا تُقهر.
سلامٌ على غزة…
سلامٌ على أطفالها ونسائها وشبابها،
سلامٌ على من جعلوا من الدمار مهدَ انتصار، ومن المحنة منارةَ أملٍ تضيء درب الأحرار.
محمود كلّم، كاتبٌ وباحثٌ فلسطينيّ، يكتب في الشأنين السياسيّ والوجدانيّ، ويُعنى بقضايا الانتماء والهويّة الفلسطينيّة. يرى في الكلمة امتداداً للصوت الحرّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النضال.
أضف تعليق
قواعد المشاركة