غزّة والفاشر.. وجهان لمأساةٍ واحدة!

منذ أسبوعين   شارك:

محمود كلّم

كاتب فلسطيني

من غزّة إلى الفاشر... دمٌ واحد، ووجعٌ لا ينتهي.

في ركنين متباعدين من خريطةٍ واحدة، تنزف الأرض الألم ذاته. من هناك من شاطئٍ يبتلع الأمل بين أنقاض البحر، إلى هناك في صحراءٍ ينهشها الجوع والعطش، تتردّد صرخات الأمهات، ويتعالى أنين المدن المكلومة، وكأنّ الحزن اتّخذ من العالم العربي وطناً لا يغادره.

 

في غزّة يختنق الأطفال تحت الركام، يبحثون عن آخر أنفاس الحياة بين أنقاض البيوت التي كانت تملؤها الضحكات يوماً.

وفي الفاشر يمتدّ شبح الموت بين خيامٍ مهترئة، يطارد الجوعُ من تبقّى على قيد الحياة، فيما يقف العالم متفرّجاً، كأنّ هذه الأرواح بلا قيمة، وكأنّ العروبة فقدت ذاكرتها ودمها.

 

مشهدٌ يتكرّر في أكثر من مكان، بصورٍ مختلفة، ولكن بخاتمةٍ واحدة: دمارٌ وصمت.

من المشرق إلى المغرب، تتغيّر أسماء المدن، ولا تتغيّر المأساة.

الوطن العربي الذي كان يُسمّى يوماً «العالم الحيّ»، بات اليوم خريطةً مثقلةً بالرماد، يُقتل فيه الإنسان مرتين: مرّةً برصاص العدو، ومرّةً بصمت الإخوة.

 

نكتب عن فلسطين، فنبكي السودان. نرثي سوريا، فيئنّ العراق. نرفع أيدينا إلى السماء بالدعاء، لكنّ الغيوم تمطر وجعاً لا إجابات.

ما الذي أصاب هذه الأمّة حتى صار الألم لغتها المشتركة، وصار الصمت ردَّها الوحيد على المآسي؟

 

غزّة والفاشر ليستا مجرد مدينتين؛ إنّهما مرآتان تعكسان وجعاً عربيّاً واحداً.

وجهان لمأساةٍ واحدة، عنوانها الأكبر: الخذلان العربي.

كيف وصلنا إلى هذا الحدّ من التشتّت؟ وكيف صرنا نعدّ القبور أكثر ممّا نزرع الأمل؟

 

ومع ذلك، ورغم كلّ هذا السواد، يبقى بصيص النور حاضراً.

يبقى في العيون أملٌ صغير، يشبه عناد طفلٍ يخرج من تحت الركام حيّاً.

قد يطول الليل، لكنّ الفجر قادم، لأنّ الأرض التي تنزف لا تموت، ولأنّ في كلّ قلبٍ عربيٍّ ما زال ينبض، هناك وعدٌ بأن لا تكون النهاية هكذا.

 

ومع كلّ هذا، يأتينا صدى كلمات ناجي العلي كصفعةٍ توقظ ضميراً غفا طويلاً:

 

متى تثبت براءة الذئب؟

متى نعرف أن صمتنا هو الذئب؟

متى نعرف أن خذلاننا هو الذئب الذي افترس غزّة والآن يفترس الفاشر؟

 

نحن لسنا أبرياء، نحن شركاء، شركاء بالخذلان، شركاء بالصمت.

نعم لسنا أبرياء.

ففي كلّ مرة نصمت فيها، يولد ذئبٌ جديد، ينهش لحم مدننا، ويأكل ما تبقّى من كرامتنا.

لكن ما زال فينا متّسعٌ للنهوض، إن تحوّل وجعنا إلى فعلٍ لا إلى نحيب.

فالأوطان لا تموت بالرصاص، بل تموت حين يصمت أبناؤها.

 

ومن غزّة إلى الفاشر... يا الله، هذا القلب صار مقبرة.

 

محمود كلّم، كاتبٌ وباحثٌ فلسطينيّ، يكتب في الشأنين السياسيّ والوجدانيّ، ويُعنى بقضايا الانتماء والهويّة الفلسطينيّة. يرى في الكلمة امتداداً للصوت الحرّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النضال.



مقالات متعلّقة


أضف تعليق

قواعد المشاركة

 

تغريدة عارف حجاوي

twitter.com/aref_hijjawi/status/1144230309812215814 




تغريدة عبدالله الشايجي

twitter.com/docshayji/status/1140378429461807104




تغريدة آنيا الأفندي

twitter.com/Ania27El/status/1139814974052806657 




تغريدة إحسان الفقيه

twitter.com/EHSANFAKEEH/status/1116064323368046593




تغريدة ياسر الزعاترة

twitter.com/YZaatreh/status/1110080114400751616 




تغريدة إليسا

twitter.com/elissakh/status/1110110869982203905 





 

ياسر علي

تقرير: لقاء شعبي في عين الحلوة يناقش الأزمة التربوية في مدارس الأونروا مشاركون يحذرون من انهيار العملية التعليمية ويدعون إلى تحرك موحَّد

شهد مخيم عين الحلوة لقاءً شعبياً موسعاً، وذلك لمناقشة الأزمة التربوية المتصاعدة داخل مدارس وكالة الأونروا. شارك في اللقاء ممثلون ع… تتمة »


    ياسر علي

    مؤسسة "هوية".. نموذج فاعل في الحفاظ على الانتماء الفلسطيني

    ياسر علي

    جاء المشروع الوطني للحفاظ على جذور العائلة الفلسطينية-هوية في سياق اهتمام الشعب الفلسطيني وأبنائه ومؤسساته بالحفاظ على جذور ه وعاد… تتمة »


    معايدة رمضانية 

تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.

 رمضان كريم 
نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى.

كل عام وأنتم بخير 
    معايدة رمضانية  تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.  رمضان كريم  نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى. كل عام وأنتم بخير