من الصمت إلى البطولة الرقمية
فايز أبو عيد
إعلامي فلسطينيفي ظل سنوات القمع التي فرضها النظام السوري البائد، عاش الفلسطينيون في سورية تحت وطأة الصمت والخوف، حيث كان مجرد الحديث عن الاعتقال أو المطالبة بالحقوق يُعد مخاطرة قد تودي بصاحبها إلى السجن أو الإخفاء القسري.
ومع اندلاع الثورة السورية، بدأت بعض الأصوات تخرج من الظل، لتكشف المستور، وتوثق الانتهاكات والاعتقالات التي ارتكبت بحق الفلسطينيين في سورية، وتروي قصص الألم والمعاناة التي عاشوها وما آلت إليه أوضاعهم الإنسانية والقانونية والمعيشية.
تلك النخبة من الأشخاص عملوا بأسمائهم الحقيقية، ناقلين الانتهاكات بكل شجاعة رغم المضايقات والأثمان الباهظة التي تعرضوا لها هم وعوائلهم، منها الاعتقالات وتدمير المنازل والاستيلاء على الأملاك، إلا أنهم لم يتراجعوا، ولم يثنهم الخوف عن أداء واجبهم.
لكن اللافت في المشهد اليوم هو ظهور صفحات وشخصيات على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة "فيسبوك"، تتحدث عن القضية الفلسطينية في سورية وكأنها كانت في صلب الحدث منذ اللحظة الأولى، هذا التحول في الخطاب الرقمي يعكس بلا شك رغبة حقيقية في كسر جدار الصمت، لكنه في الوقت ذاته يكشف عن ظاهرة جديدة تستحق التوقف عندها.
ومن الملفت أن هؤلاء الأشخاص باتوا اليوم يتصدرون المشهد، ويقدّمون أنفسهم كمناضلين كرّسوا جل وقتهم وحياتهم للدفاع عن المظلومين والوقوف في وجه الطاغية، ويتباهون بمواقف لم يعرفها عنها أحد عنهم.
فيما البعض الأخر منهم لم يكن يجرؤ حتى على كتابة منشور ينتقد النظام، واليوم يتحدثون بلغة الأبطال، ويعيدون صياغة التاريخ بما يخدم صورتهم الشخصية.
هذا التحول يطرح تساؤلات مشروعة: هل نحن أمام صحوة ضمير متأخرة، أم أمام موجة من "البطولة الرقمية" التي تسعى إلى استثمار المأساة في بناء مجد شخصي؟ وهل من العدل أن تُطمس تضحيات من دفعوا الثمن الحقيقي، ليحلّ محلهم من كانوا صامتين بالأمس، ومتحدثين باسم الجميع اليوم؟
لا شك أن فتح المجال للحديث عن القضايا الفلسطينية في سورية هو أمر إيجابي ومطلوب، لكن من الضروري أن يبقى نزيهًا، يتسم بروح المسؤولية، ويبنى على التوثيق والمصداقية، لا على سرديات شخصية مفبركة، فالقضية لا تحتاج إلى أبطال مزيفين، بل إلى أصوات صادقة تنقل المعاناة وتطالب بالعدالة.
وفي الختام لا بد من التذكير بأن حمل هموم أبناء شعبكم والتنطع للدفاع عنهم وايصال صوتهم، لا يُقاس بعدد المتابعين والاعجابات، بل بصدق الموقف، واستمرارية الالتزام، واحترام دماء الضحايا، واحترام عمل الغير وإعطاء كل ذي حق حقه ومكانته لا أقصاء الآخرين.


أضف تعليق
قواعد المشاركة