ثورة "الدهس والطعن".. وتداعياتها على الشارع الإسرائيلي
د. عدنان أبو عامر
الأستاذ الجامعي والباحث المتخصص شؤون الإسرائيليةهبة الجنداوي - شبكة العودة الإخبارية
لقد كانت المقاومة وما تزال هي الطريق الوحيد الذي من خلاله استطاع الفلسطيني مقارعة الاحتلال، وأن يسدّد له صفعةً محكمةً، حيث وقف الأخير أمامها عاجزاً عن تدارك الموقف لصالحه. ولعلّ الحرب الصهيونية الأخيرة غزة، ومشاهد القتل والدمار المروّع، جيّشت في نفوس الفلسطينيينتحت الاحتلال في الضفة الغربية والقدس والداخل المحتل. وكانت الانتهاكات الصارخة التي تعرّض لها المسجد الأقصى المبارك في الآونة الأخيرة، الشرارة التي ألهبت نفوس الشباب الفلسطيني لخوض ثورة ضد المحتل لم تشهدها القدس منذ سنوات طوال، ثورة بيضاء كان سلاحها "الدهس والطعن"..
وفي ظل الخناق الأمني أراضي الضفة والقدس المحتلّتين،لم يكن أمام المقاومين سوى إحياء عمليّات الدهس والطعن سلاحاً في وجه الغطرسة الصهيونية، وانتهاكاتها الفاضحة بحق الشعب والمقدّسات. فهذه العمليّات ليست وليدة المرحلة الحاليّة، فقد كانت أولى عمليات الدهس عام 1987، حينما أقدم أحد أفراد المقاومة الفلسطينية بهجوم بسيارته على دورية عسكرية صهيونية في الضفة أدت الى دهس عدد من الصهاينة، رداً على هجوم مماثل قام به سائق شاحنة صهيوني بحق مجموعة من العمال الفلسطينيين.
حالةٌ من الهستيريا خلفتها تلك الثورة البيضاء في صفوف المستوطنين في القدس والضفة الغربية، الأمر الذي دفع سلطات الاحتلال في القدس إلى وضع حجارة ضخمة منعاً لأي اقتحام بالسيارة. "لكنّ هذا النوع من العمليات يصعب استكشافه أو ملاحقته من قبل الأمن الإسرائيلي، لعدة أسباب أبرزها أنها أعمال فردية وليست تنظيمية تُدار بطريقة أكثر تعقيداً. بالإضافة إلى أنّ الشرطة الإسرائيلية غير قادرة على ضبط الوضع الأمني في القدس، رغم أنها تبذل جهداً كبيراً في قمع المظاهرات والمتظاهرين، والواضح أن عدم قدرة وإمكانية الشرطة على ضبط الوضع في القدس تحديداً، سيدفع الحكومة إلى تعزيز قدرات القوات العسكرية في القدس والضفة والداخل المحتل"، هذا ما أدلى به الأستاذ الجامعي والباحث السياسي د. عدنان أبو عامر في لقاء مع شبكة العودة الإخبارية.
ويوضح د. أبو عامر أن الاحتلال لا يكاد يستفيق من صدمة دهس مستوطنين في القدس المحتلّة، حتى تتلوها صدمةٌ أخرى في الضفة الغربية، تقف سلطات الاحتلال عاجزةً عن إيجاد تفسير لما يجري، فيكون الإرباك على المستويين الأمني والسياسي سيّد الموقف.
وعن الإرباك الإسرائيلي السياسي والأمني وعدم قدرتهما على الإمساك بالوضع الأمني يشير د.أبو عامر "أن المسؤولين السياسيين الصهاينة يلقون التّهم على الشرطة الإسرائيلية لعجزها عن ردع المظاهرات المتصاعدة في الضفة الغربية والقدس، والشرطة بدورها تحمّل المسؤولين السياسيين مسؤولية اشتعال الأوضاع بسب الاقتحام الدائم والمتكرر لساحات الحرم القدسي".
أمّا بالنسبة لآراء الشارع الإسرائيلي فيما يتعلّق بتلك العمليات، فقد أكد د. أبو عامر لشبكتنا أنّ هناك انقساماً حاداً حول هذا الوضع:
- فهناك من يطالب بوضع حد لزيارات الحرم القدسي لما له من تداعيات من شأنها إشعال الوضع في القدس والضفة الغربية المحتلّتين.
- وهناك من يرى ضرورة القيام بعملية أمنية استباقية لقمع وضرب حماس والحركة الإسلامية في الداخل المحتل، وذلك بعد تبني حركة حماس العملية الأخيرة في القدس.
- والبعض الآخر يطالب برفع مستوى التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية من أجل التعاون على قمع المظاهر الاحتجاجية بكل الوسائل الممكنة.
وحول التطورات والإجراءات التي سيتخذها المحتل لقمع المتظاهرين في الضفة والمقدسيين في القدس، يشير د. أبو عامر "ليس من مصلحة "إسرائيل" أن تدخل في غمار حرب في القدس المحتلّة، فلديها حدود متوترة مع لبنان وسورية وسيناء وقطاع غزة، ولذلك فمن المرجّح أن تقوم "إسرائيل" بضرباتٍ استباقية لمنع اندلاع أي انتفاضة ثالثة، ومنها إبعاد شخصيات إسلاميّة وازنة عن القدس واتهام الحركة الإسلامية في الداخل المحتل كحركة إرهابية وبالتالي قمعها وضربها واعتقال رموزها، بالإضافة إلى سحب الجنسية من بعض النواب والشخصيات الفلسطينية المؤثرة.
ممّا لا شك فيه أن الإجراءات الأمنية التي ستتخذها دولة الاحتلال ستزيد من عزيمة وإصرار الشعب الفلسطيني بمواصلة كفاحه ضد المحتل الغاصب، فها هو اليوم يبدع من جديد في إيجاد وسيلة إضافية ونوعية لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي، ومع تصاعد وتيرة الثورة في القدس والضفة الغربية المحتلتين من الممكن جداً أن تتطور تلك الثورة البيضاء بوسائلها البسيطة، إلى عملياتٍ فدائية، خاصّةً مع الظروف الأمنية والسياسيّة والأصوات الصهيونية اليمينية المتطرفة المطالبة باقتحام المسجد الأقصى لكسب الأصوات في الانتخابات الإسرائيلية القادمة.
أضف تعليق
قواعد المشاركة