في "اليرموك".. فرقة غنائية تحارب أوجاعه بالكلمة واللحن

"يا مهجرين عودوا طال الزمان وطول اليرموك احنا جنوده عنه ما نتحول، يرموك يا ضحك النصر صوب القدس ما ينكسر، عودوا يا أهله وهللوا يرموك ما يرضى القهر".

بقليل من الكلمات هز تسعة شباب من مخيم اليرموك قلوب من سمعهم، فحنينهم لأهلهم الذين تركوا المخيم المحاصر منذ ما يقرب العام, وخوفهم على من فيه من الموت جوعًا أو قتلاً وقهرًا, تمكنوا من ترجمته لحنًا وأغنية بثوا فيها الحياة ونقلوها عبر الإنترنت للمشاهدين في الوطن العربي، ليحكموا على من بقي في المخيم بصدق، بعيدًا عن التزوير والتزييف الذي تنقله القنوات التلفزيونية.

بلا ترتيب

الملحن الأكبر سنًا في الفرقة أحمد أحمد، فنان فلسطيني كفيف من مخيم اليرموك, تمكن من تدريب ابنه - مسئول الفرقة الأول- أيهم أحمد, على تسخير الأدوات الموسيقية لصالح القضية الفلسطينية، وكان له الفضل الأول في تشكيل الفرقة التي بدأت العمل منذ بداية حصار اليرموك.

عبرَ الخط الهاتفي التقت "فلسطين" بالفنان أحمد الذي عبرَ عن سعادته بسماع صوته داخل الأراضي الفلسطينية، معتبرًا أن أهل فلسطين هم الأكثر قدرة على فهم أبنائهم في اليرموك، وقال: "تعود فكرة إنشاء الفرقة إلى ابني أيهم الذي يملك محلاً لبيع الأدوات الموسيقية والتدريب عليها، إذ إنه بعد حصار المخيم صار يفكر في طريقة لنقل ما يجري داخله من أحداث عبر الأناشيد الوطنية للعالم خارجه".

وتابع: "لاقت الفكرة الرواج والترحيب بين الشباب الذين تحمسوا لها وباشروا بالتدرب على مهارات الصوت وطرق الغناء، إذ إن أغلبهم لا يجيد الغناء ولا يملك الصوت الجيد"، مشيرًا إلى أن لكل من الشباب التسعة مهنة خاصة أو دراسة لا علاقة لها بالفن.

وأضاف: "أحد الشباب يعمل في البناء، وبعضهم يحمل شهادة جامعية، ومنهم من يدرس تخصصًا بعيدًا عن الموسيقى، غير أنهم اجتمعوا على الفكرة الرئيسة وآمنوا بأنهم سينقلون صورة المخيم على حقيقتها, بعيدًا عن التزييف والتعتيم".

لحن أحمد وكتب للفرقة بعض الأغنيات، غير أن الشباب المتحمس ألف بعضها, واستعان بشعراء فلسطينيين من خارج المخيم، وتحدثت جل أعمالهم عن المفاوضات المتكررة لإنهاء الحصار عن المخيم، وعن المساعدات والنازحين خارج المخيم.

يا مهجرين "عودوا"

ومن أغنياتهم التي حركت شجون البعض عبر الإنترنت "يا أمي والله اشتقنالك.. عودي ضمينا بحنانك، يا رفاقي طالت غيبتكن والله اشتقنا لضحكتكن"، ومنها أيضا ما غازل مخيم اليرموك الذي يعتبرونه بيتهم الوحيد حتى يرجعوا إلى فلسطين، وتقول كلمات الأغنية: "اليرموك عيونو عم تبكي.. يسأل ليش تركوني شعبي.. يلي قاعد بقدسيا اليرموك اشتقتلك يا خيا".

الفريق الذي يتنقل على حسابه الخاص بينَ جنبات المخيم تعمدَ أن ينشد أغنياته من بين الركام، ومن وسط المناطق التي تتعرض للقصف أو للأعمال المسلحة, الأمر الذي يعرضهم للخطر، وفق أحمد إذ قال: "بكل تأكيد يتعرض أبنائي في الفرقة للخطر في كل مرة يقررون فيها إنشاد الأغنيات من منطقة مقصوفة، غير أن هدفهم أكثر قوة من خوفهم".

الملحن الذي يبلغ الواحدة والستين من العمر فخور جدًا بفريق شباب مخيم اليرموك الذي تنبض فيه الحياة, رغم أن سبلها تقطعت بسكانه جميعهم، وقال: "في المخيم حياة لا يدركها غير من يعيش فيه، ولا زلنا كبارًا وصغارًا نحتفظ بأوراق الملكية لأراضينا الفلسطينية, رغم أننا ولدنا بعد النكبة".

"لا يتلقى فريق المخيم أي دعم معنوي أو مادي، غير كأس الشاي الذي نصنعه لهم أثناء تدربهم على أداء الأناشيد، وبعضهم يضطر للاعتذار عن التدريب الذي يكون بشكل يومي بحثًا عن مصدر رزق له، خاصة وأن سبل الحياة تقطعت بنا ولم نعد نجد فرصًا لجني المال أو حتى فرصًا للحصول على مساعدات غذائية بشكل كافٍ"، وأضاف الملحن الفلسطيني أحمد قائلا: " نسينا شكل الكهرباء وشكل المال، وها نحن ننتظر أن تُحل الأزمة, وعسى أن نكون سببًا في ذلك".

بلا كهرباء

يستخدم أعضاء الفرقة الشبابية البيانو والكمان فقط لتلحين أناشيدهم وغنائها, لأنه لا يحتاج إلى كهرباء، غير أن تكلفة نقله من مكان لآخر مكلفة جدًا، ويجدون صعوبة في نقل تسجيل الأغنيات, الذي اتخذ شكل "الهواية" عبر شبكة الإنترنت، لذا فمن كان يملك مولدًا للكهرباء في المخيم يحظى باهتمام منقطع النظير من أبناء المخيم, وبما فيهم فرقة شباب مخيم اليرموك.

وأردف أحمد: "يحاول ابني أيهم ورفاقه إيصال الصورة والفيديو بأسرع صورة ممكنة للعالم، لذا فإنهم بعد تأليف الأغنيات أو الحصول على الكلمات وصياغة اللحن المناسب ينتقلون إلى التنفيذ مباشرة، ويعتبرون الشوارع مسارح لهم، ويتفاعل معهم الجمهور بشكل مباشر, الأمر الذي يفقد الأناشيد حسها الاحترافي، غير أنها تحظى باهتمام متابعيها".

وعبرَ عن سعادته من وصول صوت الفريق إلى فلسطين، قائلا: "تواصلت معنا العديد من المؤسسات الصحفية الفلسطينية لإجراء لقاءات حول نشاطات الفرقة وإنجازاتها، وهذا دليل أكيد على نجاحنا في إيصال الرسالة، وسنواصل العمل حتى يتحرر المخيم من حصاره ويعود سكانه له".

وعن حالهم كعائلة قررت أن تستغل موهبتها في تقديم ما تراه في صالح المخيم، قال أحمد: "نحن كباقي أبناء المخيم نسد جوعنا بأي شيء, ونتطلع بشوق لعودة أحبابنا وأقاربنا النازحين، ونتمنى أن تنتهي الأزمة وأن يُحيد اليرموك عن كل الخلافات، فلا ناقة ولا جمل لنا بها, ونحن بحاجة إلى العيش بهدوء طالما لا نتدخل في شأن غيرنا".

بعض المناسبات الاجتماعية تكون مادة زخمة لفريق شباب اليرموك، إذ إنهم غنوا للمرأة في يومها العالمي، وقد خصوا نساء المخيم اللواتي يتحملن فوق طاقتهن لإسناد أزواجهن وأبنائهن، ويستعدون لإكرام أمهات اليرموك كذلك، ناهيك عن اعتبارهم المخيم أمهم الأولى.

"ظلم أهل المخيم كثيرًا" قال أحمد الذي أوصانا بنقل رسالته للسياسيين الفلسطينيين بأن يكفوا عن التنازل عن الأرض الفلسطينية واللاجئين، وقال: "أنا صاحب الأرض الذي هُجر منها أجدادي في عام 1948, وأنا من يملك حق التمسك بها أو التفريط، ويكفيكم بيعًا لأرضنا وشعبنا، وليس هناك دليل أقوى من بيعكم لأهل اليرموك دون مساعدتهم لتخطي الأزمة".

وتابع :" ظلمنا كلاجئين من كل السياسيين في العالم, الذين تاجروا بنا من أجل تحقيق مصالح خاصة بهم، وآن لهم الأوان لتركنا دونَ زجنا في المزيد من أوحال المهانة والمذلة".

وكان قد فر حوالي 90% من سكان مخيم اليرموك بعد اشتداد القتال داخله وفي محيطه بين قوات النظام ومسلحي المعارضة، ولم يتبقَّ من سكانه سوى 18 ألف نسمة، يعيشون في ظروف إنسانية قاسية.

المصدر: فلسطين أون لاين