التواطؤ البريطاني لطمس الرواية الفلسطينية*

منذ 7 سنوات   شارك:

أيميي شعلان- القدس دوت كوم

تعكف المملكة المتحدة اليوم على اتخاذ تدابير لفرض الرقابة على التعبير والإبداع الثقافي الفلسطيني، بينما تُنفق إسرائيل أموالًا طائلة لترويج إنتاجها الثقافي دوليًا.

وتتراوح الإجراءات القمعية البريطانية بين التحركات الوزارية الرامية لحظر المقاطعة الثقافية، وخنق الحوار الأكاديمي، ورفض منح تأشيرة الدخول في أحيان كثيرة لفنانين ومثقفين فلسطينيين. وتدعم الإجراءات القمعية هذه الرواية الإسرائيلية الأحادية التي تُعين إسرائيل على مواصلة احتلال الأرض الفلسطينية وعلى ترسيخ نظام الفصل العنصري القائم.

وهذا التواطؤ البريطاني في اضطهاد الفلسطينيين ليس ظاهرة حديثة، بل يمكن القول إن جذوره تعود إلى وعد بلفور الصادر عام ١٩١٧، والذي دعا لإقامة دولةٍ للشعب اليهودي على أرض فلسطين وتجاهل وجودَ الفلسطينيين الذين يقيمون فوق هذه الأرض، وأسهم في عملية الطرد والنفي والتفتيت الاجتماعي والثقافي المستمرة حتى يومنا هذا. وكان ذلك البداية لنهجٍ بريطاني في التعامل مع الشعب الفلسطيني وقمع ثقافتهم وتاريخهم.

بلفور كان البداية

وعدُ بلفور هو رسالةٌ وجيزة مشؤومة بعثها في العام ١٩١٧ وزيرُ الخارجية البريطاني آنذاك، "آرثر بلفور،" وأعلن فيها أن الحكومة البريطانية " ستبذل غاية جهدها" لتسهيل " تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي". وهكذا، حتى قبل بداية الانتداب البريطاني رسمياً، وعدَ آرثر بلفور بمنح الاتحادَ الصهيوني أرضَ فلسطين، دون الحصول على موافقة سكانها الفلسطينيين، كما تجاهل في مفرداته التي انتقاها في رسالته تسمية السكان الأصليين الفلسطينيين، وذكرهم بعبارة "غير اليهود،" في محاولة لطمس وتغييب الهوية الفلسطينية، وبعد عامين اعترف بلفور بسكان فلسطين، الا انه اعتبر حياتهم أقلَّ قيمة من حياة الشعب اليهودي الذي سيستولي على الأرض، وكتبَ في إحدى مذكراته "سواء كانت الصهيونية على حق أو على باطل، جيدة أو سيئة، فإنها ذات جذور متأصلة في تعاليم قديمة وحاجات حالية وآمال مستقبلية، وذات أهمية تفوق بكثير رغبات السبعمائة ألف عربي الذين يسكنون الآن هذه الأرض القديمة."

وادى إنكار الثقافة الفلسطينية والتاريخ الفلسطيني على ذلك النحو إلى طرد السكان الفلسطينيين وتشتيتهم في العام ١٩٤٨، ومن ثم تدمير المدن والقرى التي افرغت من أهلها او تم تهويدها. وقد وطد هذا الشعور المنحاز الذي عبَّر عنه بلفور، علاقة المملكة المتحدة بإسرائيل إلى يومنا هذا.

وتنطوي تركة بلفور والانتداب البريطاني تلك على تاريخٍ طويل من القمع الإسرائيلي لأشكال التعبير الفلسطيني الذي يتراوح بين نهب المكتبات الفلسطينية، وسجن الكتاب الفلسطينيين، وحظر الأنشطة الثقافية الفلسطينية، ونسف المواقع والمدارس الثقافية في غزة. وحتى بعد قيام دولة إسرائيل في العام ١٩٤٨، مُنع الفلسطينيون الذين بقوا داخل حدود ما بات يُسمى "إسرائيل" من دراسة إرثهم الثقافي أو استحضار ماضيهم القريب.

أشباه بلفور في الحكومة البريطانية

لم يتغيرَ منذ الأيام الأولى لقيام إسرائيل سوى القليل، اذ أظهرت السياسات الأخيرة التي قامت بها المملكة المتحدة لحظر المقاطعة الثقافية وكبًت النقاش الأكاديمي الزيادة الكبيرة في مدى انخراط بريطانيا العلني في فرض الرقابة على مناهضي إسرائيل.

وبينما يزداد الضغط الدولي على إسرائيل، تسير الحكومة البريطانية وعدد من المؤسسات البريطانية في الاتجاه المعاكس، معززةً دعمَها لأيديولوجيةٍ صهيونية عازمة على قمع الثقافة الفلسطينية والتاريخ الفلسطيني، وفارضة رقابتها على الأصوات الثقافية في بريطانيا المنتقدة لدولة إسرائيل بشكل يتماشى مع "قانون النكبة" الإسرائيلي والذي صدر في العام ٢٠١١ وينص على حجب التمويل عن المؤسسات العامة التي تعتبَرُ معارضة لتأسيس إسرائيل أو التي تشارك في أي نشاط ينفي، وفقاً لذلك القانون، وجود إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية.

وواجهت عدد من المؤسسات الثقافية البريطانية الداعمة للحقوق الفلسطينية التهديد بسحب التمويل الرسمي الحكومي لها تحت حجة معاداة إسرائيل. ففي آب/أغسطس ٢٠١٤ رفض مسرح "ترايسكل/ Tricycle Theatre" في لندن استضافة مهرجان الفيلم اليهودي في المملكة المتحدة لأن جزءًا من تمويله كان من السفارة الإسرائيلية وذلك كرد على الخسائر في الأرواح التي تسبَّب بها القصف الإسرائيلي على قطاع غزة. وعرض القائمون على المسرح توفير تمويل بديل لمساهمة السفارة الإسرائيلية، الا ان منظمي مهرجان الفيلم اليهودي رفضوا عرض التمويل البديل، وتمسكوا برعاية السفارة الإسرائيلية لمهرجانهم، وبالتالي قاموا بسحب مهرجانهم من المسرح.

وواجه مسرح ترايسكل في ذلك الوقت هجمةً متواصلة، وسرعان ما تدخَّل وزير الدولة للثقافة آنذاك "ساجد جاويد" الذي تعاون مع وزير الثقافة والاقتصاد الرقمي "إيد فيزي" والسفير الإسرائيلي في المملكة المتحدة "دانيال توب" للضغط على المسرح لسحب اعتراضاته على تمويل السفارة. ولم يستطع المسرح الصغير الصمود في وجه التهديد بحجب التمويل عنه، وسحب اعتراضه السابق وعاد واستضاف المهرجان.

وقال جاويد، في مناسبة أخرى نظمها مجلس النواب اليهودي البريطاني في العام ٢٠١٥، أن تدخله السابق مع مسرح ترايسكل كان بهدف ردع أي مؤسسة أخرى من تبني سياسة المقاطعة لإسرائيل عبر التهديد بوقف تمويلها.

وما عاد وزراء المملكة المتحدة يتجاهلون سياسات إسرائيل وممارساتها فقط، بل صاروا يتبنونها، كما وجدت الرقابة المؤسسية والحكومية الداعمة لإسرائيل طريقها إلى الوسط الأكاديمي أيضًا، فقد ألغى وزير الدولة لشؤون المجتمعات والحكومة المحلية، “إريك بيكلز،” في العام ٢٠١٥ مؤتمرًا أكاديميًا حول الوضع القانوني لدولة إسرائيل في جامعة "ساوثامبتون/ Southampton." كان من المفترض ان يستضيف ذلك المؤتمر أستاذًا إسرائيليًا في القانون وناشطًا فلسطينيًا في حقوق الإنسان، ولكن بيكلز ادّعى أن الفعالية سوف تترك المجال لأقصى اليسار للتهجم على إسرائيل الامر الذي قد ينزلق، حسب زعمه، إلى معاداة السامية بدلا من توفير منبر لجميع أطراف النقاش. وانضم وقتها ايضاً "مايكل غوف،" البرلماني البريطاني البارز من الكتلة البرلمانية المحافظة إلى الجدل الدائر مشككاً باعتبار تلك الفعالية مؤتمراً، ووصف الفعالية بـ"مهرجانَ كراهية لمعاداة إسرائيل". وانصاعت الجامعة لتدخل الحكومة وسحبت موافقتها على عقد المؤتمر في حرمها لأسباب تتعلق بالصحة والسلامة، مدعيةً أن الفعالية قد تثير احتجاجات، وأنها لا تملك الموارد اللازمة للحد من هذه المخاطرة بالرغم أن جهاز الشرطة أصدر بيانًا أكَّد فيه قدرتَه على تأمين الفعالية.

وفي نيسان/أبريل الماضي، لم يُسمَح بعقد المؤتمر للعام الثاني حيث لم يستطع منظموه تأمين مبلغ ٢٩،٠٠٠ دولار أميركي طلبتها الجامعة كرسوم لتغطية تكاليف التعاقد مع شركة أمن خاصة وإقامة سياج.

سياسات القمع الثقافي

يتجلى تورط بريطانيا المتزايد في اضطهاد الفلسطينيين ثقافيًا في رفض منحهم تأشيرات لدخول المملكة المتحدة، وفي الآونة الأخيرة رفضت السلطات البريطانية منحَ تأشيرات لفنانين وأكاديميين فلسطينيين راغبين في زيارة بريطانيا للمشاركة في مؤتمرات، ومعارض فنية، وعروض مسرحية، وجولات تحاورية. وعلى سبيل المثال وليس الحصر، رفضت السلطات البريطانية طلب المصور الصحفي الفلسطيني، "حمدي أبو رحمة،" بالحصول على تأشيرة دخول مرتين رغم تغطيته ماليًا ودعمه من أعضاء في البرلمان البريطاني، قبل أن تسمح له بالسفر إلى اسكتلندا للمشاركة في مهرجان "أدنبرة" لهذا العام.

ومن الفنانين الفلسطينيين الآخرين الذين رفضت السلطات البريطانية منحهم التأشيرة في السنوات الأخيرة "علي أبو خطاب" "وسماح الشيخ،" وهما كاتبان كان من المقرر أن يشاركا في معهد الفنون المعاصرة ضمن مهرجان "شباك/ Shubbak"، و"نبيل الراعي" المدير الفني لمسرح الحرية في جنين الذي كان من المفترض أن يتحدث في عدد من الفعاليات في المملكة المتحدة. وصار نظام التأشيرة في المملكة المتحدة من العقبات الماثلة أمام بناء شراكات أكاديمية مع الجامعات الفلسطينية، كما أعيقت قدرة المؤسسات على العمل معًا بسبب صعوبة الحصول على معلومات واضحة بشأن عملية إصدار التأشيرة، بينما تُرفض طلبات الفلسطينيين طلابًا وأكاديميين على حد سواء. وبحسب المجلس الثقافي البريطاني، رَفضت السلطات البريطانية هذا العام وعلى نحو غير مسبوق منحَ التأشيرة لخمسة طلاب فلسطينيين من أصل عشرة يرعاهم المجلس.

وفي المقابل، لا يخضع الفنانون والأكاديميون الإسرائيليون للقيود ذاتها، حتى لو أتوا من المستوطنات غير الشرعية في الضفة الغربية المحتلة، ففي حين يستطيع أي مستوطن إسرائيلي أن يحصل على تأشيرة الدخول بسهولة عند وصوله في المملكة المتحدة، فإنه يتعين على الفلسطيني الذي يسكن على بُعد خطوات منه أن يمرَّ قبل السفر في عملية مكلفة ومعقدة، ومن ثم تظل فرصته ضئيلة في الحصول على التأشيرة.

بالرغم من أن تغيير المواقف والممارسات في المملكة المتحدة تجاه الثقافة والهوية الفلسطينية، التي ما انفكت تُعامل بدونية منذ عهد بلفور، ليس مهمةً سهلة، الا ان منظمات المجتمع المدني والتضامن الفلسطينية تبذلجهودًا كبيرة قبل حلول الذكرى المئوية لوعد بلفور بهدف تهيئة الظروف لوضع حدٍ لتواطؤ بريطانيا في فرض رقابة على الفلسطينيين، وضد سياسات الحكومة البريطانية المجحفة والداعمة لإسرائيل.

لقد آن لبريطانيا، بعد قرابة 100 عام على صدور وعد بلفور، أن تتبنى نهجًا جديدًا. وفي هذا الصدد، تمثِّل الذكرى المئوية فرصةً بالنسبة لبريطانيا للتوقف عن تواطؤها مع إسرائيل لتكميم افواه الفلسطينيين وعرقلة التبادل الثقافي، وللعمل أيضًا بنشاط على تعزيز الإنتاج الثقافي الفلسطيني وضمان سرد القصص والروايات الفلسطينية، كما تبدو الحاجةٌ ملحة أيضًا لإطلاق حملة منسقة لضمان ممارسة ضغطٍ شعبي كاف على الحكومة البريطانية حتى تُقرَّ بالآثار المدمرة المترتبة على تدخلها التاريخي، وتبدأ في جبر الضرر الناجم عن تواطؤها الماضي والحاضر في اضطهاد الفلسطينيين ثقافيًا والاستمرار في تهجيرهم. 

مقالات متعلّقة

تغريدة "Gaza Writes Back"

  !israel is a piece of shit and they know ittwitter.com/ThisIsGaZa/status/595385208385449985/photo/1 




تغريدة "عاصم النبيه- غزة"

 عندك القسام وبتأيد داعش؟ روح استغفر ربك يا زلمة.. #غزةtwitter.com/AsemAlnabeh/status/595507704338186240
 




تغريدة "أحمد بن راشد بن سعيد"

القاهرة تنتفض ضد قرار تقسيم #فلسطين عام 1947.كان زمان!لكن تظل #فلسطين_قضيتناtwitter.com/LoveLiberty/status/594548013504307200/photo/1




تغريدة "Joe Catron"

 Take a moment to thank "@MsLaurynHill" for cancelling her concert in occupied Palestinetwitter.com/jncatron/status/595337215695192064/photo/1




تغريدة "Dr. Ramy Abdu"

 المغنية الأمريكية المشهورة لورين هيل تلغي حفلها الفني في "إسرائيل" بعد حملة واسعة لنشطاء حركة المقاطعة.twitter.com/RamAbdu/status/595530542910742528




تغريدة "النائب جمال الخضري"

في #غزة يقهرون الإعاقة ويلعبون الكرة الطائرة أطرافهم بترت اثناء الحرب على غزة لا يأس ولكن عزيمة وصمود لهم التحية.twitter.com/jamalkhoudary/status/595520655858147328





 

حسام شاكر

الإبداع في ذروته .. رفعت العرعير مثالاً

أيُّ إبداعٍ يُضاهي أن تُنسَج القصيدة المعبِّرةُ من نزفِ شاعرها أو أن تصير الكلمات المنقوشة بالتضحيات العزيزة محفوظاتٍ مُعولَمة في … تتمة »


    ابراهيم العلي

    في ظلال يوم الأرض الفلسطينون : متجذرون ولانقبل التفريط

    ابراهيم العلي

     يعد انتزاع الاراضي من أصحابها الأصليين الفلسطينيين والإستيلاء عليها أحد أهم مرتكزات المشروع الصهيوني الاحلالي ، فالأيدلوجية الصهي… تتمة »


    لاعب خط الوسط الأردني محمود مرضي يرفع قمصيه كاتباً "هي قضية الشرفاء" ، بعد تسجيل هدف لمنتخبه ضد ماليزيا.
    لاعب خط الوسط الأردني محمود مرضي يرفع قمصيه كاتباً "هي قضية الشرفاء" ، بعد تسجيل هدف لمنتخبه ضد ماليزيا.