حماس والشباب الفلسطيني في لبنان
فرج أبو شقرا
ناشط شبابي فلسطينيتعد تجربة حركة المقاومة الإسلامية حماس مع الشباب حالة فريدة في الساحة الفلسطينية، فقد أدركت الحركة ومنذ ما قبل انطلاقتها الرسمية أهمية الشباب في المجتمع الفلسطيني، وكانت نظرة مؤسسها الشيخ أحمد ياسين تتمتع ببعد نظر واستشراف دقيق للمستقبل، الأمر الذي دفعه لإيجاد بيئة حاضنة للشباب الفلسطيني في غزة عبر المساجد في بادئ الأمر، ثم عبر تأسيسه المجمع الإسلامي في غزة، الذي وفر للشباب الفلسطيني تلك البيئة التي تبث قيماً، وتبعث في النفس حماساً، تربي وتعلم، تدرب وتصقل، حتى غدا المجمع محط أنظار الشباب، وأمنية للإنخراط في برامجه ومناهجه. فشكل المجمع النواة الأساسية والقاعدة الصلبة لذلك الجيل المؤمن الذي استطاع أن يصنع تاريخاً فلسطينياً جديداً.
أدركت حماس باكراً أن مشروع المقاومة والتحرير لا يقتصر على ساحة فلسطينية دون أخرى، بل هو بحاجة لتظافر جهود الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده، وكل يقدم حسب استطاعته بناءً للظروف التي يعيشها، فتوسع عملها وانتشر نطاق تواجدها ليشمل ساحات التواجد الفلسطيني كافة، ومنها وبلا شك الساحة اللبنانية التي تعتبر من أهم ساحات العمل الفلسطيني، نظراً لتاريخها العريق، وخصوصية واقع اللاجئين الفلسطينيين فيها.
ومع بدء العمل الحمساوي في ساحة لبنان، أولت الحركة أهمية كبيرة للشباب الفلسطيني الذي يشكل النسبة الأكبر من مجتمع اللاجئين الذين يتوزعون على كامل الجغرافيا اللبنانية في مخيمات وتجمعات. فسعت جاهدة لإستنساخ تجربة مؤسسها في غزة، حينما حاولت توفير البيئة الحاضنة في المساجد، وعبر مراكزها الممتدة شرقاً وغرباً، مرت تجربة حماس مع الشباب الفلسطيني في لبنان في عدة مراحل، بدأت بمرحلة نشر الدعوة وقد كانت أساساً عبر المساجد، ثم توفير الحاضنة وبث الثقافة والتي ارتكزت على المراكز، مروراً بالمأسسة التي تلبي احتياجات الشباب التخصصية كالطلاب والرياضة والكشافة والنقابات، وقد أبلت بذلك بلاءً حسناً بالعموم، حيث استطاعت من خلال أذرعتها الشبابية تقديم خدمات متميزة، وبرامج هادفة، ومناهج مثمرة، الأمر الذي جعل من هذه المؤسسات ورغم فتي عمرها أن تثبت نفسها كحاضنة حقيقية لآلاف الشباب والفتية، تحمل همومهم وقضاياهم، وتسعى للنهوض بواقعهم، وتلبية جزء من احتياجاتهم.
تسعى حماس من خلال مؤسساتها الشبابية لإعداد جيل يتخذ من الإسلام عقيدة ومن فلسطين هوية ومن المقاومة نهجاً وسبيلاً، وتعتمد على عدة وسائل لإعداد ذلك الجيل، كالتعبئة التربوية من خلال حلقات العلم الدورية التي تنظمها إن كان في المساجد أو المراكز، إضافة للعديد من البرامج التربوية والتثقيفية المتنوعة. وتعد المخيمات الصيفية ركيزة في الإعداد العقلي والجسدي للشباب. في حين تعمد المؤسسات الشبابية لعقد مؤتمرات سنوية وورش عمل بشكل مستمر والتي دائماً ما تخرج بخلاصات هامة توصف واقع الشباب وتضع مشاريعاً للنهوض به.
لم تغفل الحركة العمل الشبابي النسائي، فبالتوازي مع العمل الشبابي الذكوري كان هناك عملاً متميزاً اختصت به الشابات ضمن مؤسسات خاصة بهن، تعنى بقضاياهن الخاصة، وتتقاطع مع العمل الشبابي الذكوري في القضايا العامة.
تدرك حماس جيداً حجم التحديات الكبيرة التي تواجه الشباب الفلسطيني في لبنان بدءً بالواقع الإجتماعي والإقتصادي الصعب، مروراً بالواقع القانوني الذي يحرمهم من حقوقهم المدنية، الأمر الذي جعل من هذه التحديات بيئة طاردة لهم، دفعتهم للقيام بموجات الهجرة والتي شهدت نسبة تكاد تكون هي الأكبر التي يشهدها المجتمع الفلسطيني في لبنان، مما جعل من الهجرة خطراً على قضية اللاجئين والتي تمثل جوهر القضية الفلسطينية.
هذه التحديات عاظمت مسؤولية حماس تجاه اللاجئين عموماً وقطاع الشباب خصوصاً، مما استنفرها للقيام بكل ما هو متاح لتغيير هذا الواقع للأفضل، وما حراكها السياسي اللافت الذي قامت به تجاه الأطراف الفلسطينية واللبنانية كافة وعلى الصعيدين الرسمي والشعبي إلا إحدى وسائلها المهمة في هذا السياق، فعلى الصعيد الفلسطيني تسعى حماس لإيجاد مرجعية فلسطينية في لبنان، تشمل قطاعات اللاجئين كافة، ولعل الشباب أبرزها، أما على الصعيد اللبناني فإنها تسعى لإقرار الحقوق المدنية للاجئين مما يساهم في تحسين الواقع لتشكيل بيئة ملائمة للشاب الفلسطيني يستطيع من خلالها خدمة القضية والإنخراط في مشروع التحرير.
يعلم جميع المطلعين على الشأن الفلسطيني العام في لبنان، أن مشاكله وتحدياته أكبر بكثير من إمكانيات فصيل بعينه، الأمر الذي يحتم على الكل الفلسطيني الإلتقاء على الهم الجامع بدل الخاص، وتظافر الجهود بدل تكرارها، وتوحيد المؤسسات بدل تشتتها، بما يؤسس لنهضة حقيقية ومشروع وطني جامع، يكون عماده الشباب.
أضف تعليق
قواعد المشاركة