للعودة أقرب.. قول وفعل
د. منذر رجب طبيب فلسطيني في ألمانيا
حين أهداني الأخ والصديق العزيز المهندس ماجد الزير النسخة الإلكترونية من كتابه الجديد "للعودة أقرب" وعدتُهُ أن أقرأه حال الانتهاء من انشغالاتي بمتابعة أزمة كورونا والتي كانت في أوجها ربيع هذا العام..
كنت متخوفاً ألّا أفِيَ بوعدي له بسبب ضيق الوقت من ناحية واعتقادي أن قراءته ستأخذ الكثير من الجهد من ناحية أخرى، ولكن بعد أن هدأت الأمور قليلاً اقتنصْتُ بعض الوقت للبدء في تصفّح الكتاب والاطلاع عليه، وإذا بي أنتهي من قراءته في ساعات معدودة..
يرجع الفضل في ذلك إلى أسلوب الكاتب السلس الذي يتجنب التعقيدات ويدخلك في صلب الموضوع وصميمه دون أي شطحٍ أو ليٍّ لعنق الجمل والكلمات، مما يريح القارئ، ويريحني أثناء تقليب الصفحات.
يتكوّن الكتاب من مجموعة مقالات لا رابط مباشر بينها في المحتوى، إلا أن ترتيب تسلسلها الزمني يجعلك تعيش مضامينها بانسجام دون وجود ما يمكن تسميته بفراغات زمنية.
"للعودة أقرب" ليس عنوان كتاب بقدر ما هو أسلوب ونمط حياة استطاع الكاتب أن يرسّخه في وجدان الفلسطينيين عبر الأنشطة والفعاليات والمقالات والمقابلات الصحفية التي كانت غالباً ما تتخذ من "حق العودة" عنواناً لها.
لقد وفق الكاتب في أن يجعل من الكتاب مرجعاً للمدافعين عن حقّ العودة وسِفراً للتوّاقين إلى معانقة ثرى الوطن عبر بعده عن مواطن الخلاف وتركيزه على ثوابت القضية الفلسطينية التي هي محل إجماع كل شرائح الشعب الفلسطيني وعلى رأسها وحدة الأرض والشعب، فكتب عن مركزية القدس في الصراع وعن حصار قطاع غزة وانتهاكات الاحتلال في الضفة الغربية وعن عنصريته تجاه فلسطينيي 48. وتحدث عن فلسطينيي الخارج ودورهم المنشود في المشروع التحرري مخصصاً مساحة لشرح القيم الاستراتيجية لمؤتمرات فلسطينيي أوروبا السنوية، كما وركز على معاناة اللاجئين في مخيمات الشتات وضرورة إنهاء هذه المعاناة.
كما تحدث في ثناياه عن الاستراتيجي والمرحلي فيما يخص حق العودة، وكيفية الحفاظ عليه وتوريثه للأجيال، وركّز مراراً على ما يحب أن يسميه "المخزون الاستراتيجي" من الكفاءات والطاقات والقدرات التي يتمتع بها أبناء الشعب الفلسطيني أينما وَجدوا داعياً لاستنهاضها والاستفادة منها في خدمة للمشروع الوطني.
كما شدّد على ضرورة الوحدة الوطنية وتمتين الموقف الفلسطيني وتعزيز صموده في مواجهة المحتل علــى قاعــدة الالتزام بالثوابت الوطنية كافة.
تعرية سياسات الاحتلال وفضح جرائمه في القتل والتهجير وسرقة الأرض كان لها نصيب من جهد الكاتب، فالكيان الصهيوني من وجهة نظره كيان كولونيالي إحلالي أوهن من بيت العنكبوت ومشروعه الاستراتيجي في تراجع وزواله مسألة وقت لا أكثر.
في حديثه بعنفوان عن الأبعاد الحقيقية للصراع مع المحتل ودعوته للتمسك بالحقوق الفلسطينية كاملة وعدم التنازل عنها وعلى رأسها حق العودة، لا يساورك الشك بأن الكاتب قد هُجّر لتُوّه من فلسطين أو أنه لا يزال يعيش في أزقة مخيمات اللجوء، وليس كمن قضى جلّ عمره في القارة الأوروبية بعيداً عن حدود الوطن.
فبرغم التباعد المكاني والزماني تراه يستشرف مستقبل القضية بجرعة عالية من الثقة بأن مسيرة استرجاع الحقوق تسير لصالح الفلسطيني، مطعِّماً ذلك بنظرات تفاؤلية عنوانها أننا عائدون مهما طال الزمن، أو قصر وأننا للعودة أقرب من أي وقت مضى، وأن بعد الجغرافيا وتقادم الزمن لا يعنيان ضياع الحقوق.
المتصفح للكتاب يكاد يجزم بأن الكاتب مسكون بالحقوق الفلسطينية والدفاع عنها وعلى رأسها حق العودة، إلى درجة أنها أضحت جزءاً من جوارحه وغدت غالبية أحاديثه وأنشطته تجسيداً لخطوات العودة المنشودة.
فمن مركز العودة ومجلة العودة إلى إعلام العودة وثقافة العودة، ومن مؤتمر العودة وجيل العودة إلى رحلة العودة ومسيرة العودة، ومن تجمع العودة وباصات العودة إلى مفتاح العودة ودار العودة، وغيرها الكثير من العناوين في السياق ذاته، وهذا ما انعكس على محتوى الكتاب حيث قلما تجد فيه صفحة لا يشير فيها إلى تلك المفردات، فنجد أنه ذكر كلمة العودة أو إحدى مشتقاتها 698 مرة، ولا يكاد يذكر فلسطين أو الفلسطيني إلا ويضيف لهما كلمة الحق أو الحقوق كناية عن قناعتة التامة بعدالة القضية، وعلى غير توافق مقصود نجد أنه ذكر كلمة الحقوق أو إحدى مشتقاتها أيضاً 698 مرة في صفحات الكتاب التي لا يتعدى عددها الثلاثمائة صفحة.
من يتابع مسيرة الكاتب عبر سني عمره التي قضاها رئيساً لمركز العودة في بريطانيا مدافعاً عن حقوق عودة اللاجئين الفلسطينيين في المحافل السياسية والدولية، ومن يرى همته وحركته الدؤوبة بين الأقطار الأوروبية دون كلل أو ملل في الحشد والتنظيم لمؤتمرات حق العودة السنوية "مؤتمرات فلسطينيي أوروبا"، ومن يتابع نشاطه على رأس الهيئة العامة للمؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج، يدرك أن حلمه بالعودة للوطن ليس أقل من حلم مارتن لوثر كينغ بالانعتاق والتحرر. فبالرغم من وعورة الطريق وبُعد الهدف إلا أن العودة في أبجدياته ليست سوى "على بعد مرمى حجر".
هو يعرف ومتيقن أيضاً بأنه إن لم يُكتب له الوصول إلى مبتغاه، فلا أقل من تأدية الأمانة والرسالة التي حملها من الآباء والأجداد على أكمل وجه، وحتماً سيجد من تلاميذه وإخوانه من يكمل الطريق من بعده جيلاً إثر جيل حتى يتحقق الحلم.
أضف تعليق
قواعد المشاركة