«الحلقة الثانية» من سلسلة يوميات لاجئ
بقلم الكاتبة ياسمينا- خاص العودة
لم يكن هناك سوى مقعدٌ واحد، فآثرت أمّ عليّ جلوس ابنها فيه وبقيت واقفةً تُسارع لحظاتِ تفكيرها فيما ستفعله بعد أن يحصل عليّ على الدواء، وكيف ستخطط لنهارها مع وجود عقبة تمنعها من الذهاب إلى مزاولة عملها اليوميّ في تنظيف البيوت خارج المخيم، وكأنها تناست ولو للحظات أنّها على موعدٍ في تمام الساعة التاسعة. وهي تنتظر بفارغ الصبر ذلك المبلغ الذي ستناله لتسدّ به بعض الديون للعمّ أبو وسيم صاحب الدكان المجاور.
فقد طلب منها أبو وسيم مرارًا وتكرارًا تمرير ولو مبلغ صغير من المال.. فهو مثلها قد ضاقت به الحال بعد أن استدان مبالغ طائلة لولده الوحيد وسيم ليساعده في اللّجوء إلى بلدٍ آخر منذ حوالي الثلاثة أشهر، وهو حتى الآن لا يعرف شيئًا عن ابنه هل مات غرقًا، أم هل رسى به الحال في بلدان اللجوء الأوروبي؟
بدأ المطر يهطل بغزارة واشتدّ صوت زخاته مع نبضات أمّ عليّ المتسارعة وهي تارةً تنظر باتجاه الساعه وتارة أخرى تحدّق في ذلك المدعوّ "الكومبيوتر"..
تذكرت كيف كان الطبيب في السابق يكتب اسم الدواء بسرعه على الكرت ثم تأخذه نحو الشباك لتحصل على الدواء. تنهّدت أم علي وقالت: أحيانًا يكون التطور عكس التيار ولعلّ هذا التطور هو سبب تأخّري الآن!
مرّت الدقائق متثاقلةً وهي تنتظر وعليٌّ غارق على المقعد في نوبات ألمٍ تصرخ بها عينيه، لربما هي خوف من العجز أو المرض الذي عطّل نهاره ونهار والده، وهو يتّجه لتعطيل نهار والدته أيضًا!
غير أن يدًا حنونةً لامست كتفه جعلته يشعر برغبة جامحة في البكاء! وكم تمنى في هذه اللحظة أن يحضن أمّه ويهمس كلمة واحدة فقط "سامحيني" لم أكن أقصد المرض!
خرجت الأمّ وطفلها من العيادة يحتميان تحت أسقف الدكاكين حتى وصلا مفرق المنزل. هناك ودّعت الأمّ طفلها بقبلةٍ سريعةٍ على جبينه، ودون أن تتكلم أكملت طريقها تسابق الأمطار..
(يتبع)
#يوميات_لاجئ منكم ولكم.. تابعونا
لقراءة الحلقة السابقة